تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَمَسَخۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمۡ فَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ مُضِيّٗا وَلَا يَرۡجِعُونَ} (67)

الآية 67 [ وقوله تعالى ]{[17536]} : { ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم } أي لأقعدناهم على أرجلهم لا يتقدمون ، ولا يتأخّرون .

ويشبه أن يكون على خلاف هذا ، على التمثيل ، يقول ، والله أعلم : لو طمسنا أعينهم ، وأعميناهم ، فاستبقوا الطريق { فأنى يبصرون } ؟ أي لا يبصرون الطريق . فعلى هذا إذا طمسنا أعين القلوب ، فأعميناهم { فأنى يبصرون } الهدى ؟ أي لا يبصرون .

[ وقوله تعالى ]{[17537]} : { ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مُضيًّا ولا يرجعون } يقول ، والله أعلم ، على التمثيل : لو حوّلنا ظاهر خلقتهم{[17538]} ، وصيرناها خنازير وقردة حتى ذهبنا بمنافع أنفسهم الظاهرة{[17539]} { فما استطاعوا مضيّا ولا يرجعون } . فعلى ذلك إذا مسخنا قلوبهم ، وحولناها عن مكانها ما انتفعوا بها كما ينتفعون بظاهر جوارحهم{[17540]} على التمثيل لا على التحقيق .

وفي قوله : { ولو نشاء لطمسنا على أعينهم } دلالة أن لله في ذلك صنعا ، إذ لم يكن في ما يختارون من الأفعال والأعمال صنع لم يكن [ لتوعّده إياهم ]{[17541]} على إذهاب ذلك وتحويله عن مكانه معنى . فدل أن له صنعا في ذلك وفعلا .

قال الحسن وقتادة في قوله : { ولو نشاء لطمسنا على أعينهم } فتركناهم عُميا ، يتردّدون { ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم } أي لأقعدناهم على أرجلهم على ما ذكر { فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون } يقول : والله أعلم : ما استطاعوا أن يتقدموا ، ويتأخّروا .

وابن عباس رضي الله عنه يقول ما تقدم ذكره ، أي لو شاء غير أعين الضُّلال ، فلم يُبصروا الطريق ، { فأنى يبصرون } ؟ أي كيف يبصرون ؟ أو نحوه من الكلام .

ومقاتل يقول : لو شاء طمس أعينهم ظاهرة { فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون } ؟ أي لا يبصرون : وهو قريب مما ذكر أنفا .

وجائز أن يكون على التمثيل على ما ذكرنا بدءا .

ويحتمل على التحقيق : أن من قدر على الطمس أو المسخ وما ذكر من النّكس لا يعجزه شيء عن البعث وغيره ، إذ خلق الإنسان للطمس أو المسخ خاصة لا لعاقبة تُقصد ليس بحكمة [ فيكون فيه إثبات البعث ]{[17542]} أو يذكر أنه لو شاء لطمسهم ، ولمسخهم ، لكنه تركهم ، فلم يطمسهم ، ولم يمسخهم ، ليبقوا في النعمة ، ليشكروا نعمه .


[17536]:ساقطة من الأصل وم.
[17537]:ساقطة من الأصل وم.
[17538]:من م، في الأصل: خلقهم.
[17539]:في الأصل وم: ظاهرة.
[17540]:في الأصل وم: جواهرهم.
[17541]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: لتوعدهم.
[17542]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من وم.