تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

الآية 65 وقوله تعالى : { اليوم نختم على أفواههم } أي نطبع على أفواههم فلا يتكلمون { وتُكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } كأنهم ، والله أعلم ، لما أنكروا كفرهم وشركهم وعملهم الذي عملوه في الدنيا كقوله : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] وأمثاله ، عند ذلك يأذن الله سائر جوارحهم وٍأركانهم بالنطق والشهادة عليهم بما عملوا كقوله : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم } الآية [ النور : 24 ] وقوله { شهد عليهم سمعهم } الآية [ فصلت : 20 ] . ثم تنطق ألسنتهم حتى يعاتبوا الجوارح في شهادتها عليهم بقوله : { لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } [ فصلت : 21 ] .

وفيه أن النطق والكلام الذي يكون من اللسان لا يكون ، لأنه لسان ، أو لنفس اللسان ، ولكن للُطف يجعل الله ذلك في اللسان ، فينطق . فحينما جعل ذلك اللطف والمعنى وفي أية جارحة ما جعل نطقت ، وتكلمت ، ولو كان النطق والكلام لنفس اللسان لكان يجب أن ينطق لسان كل ذي لسان لما له اللسان . فإذا لم ينطق دل أنه للطف جعل ما فيه به ينطق ، ويتكلم . فحيثما جعل المعنى واللطف نطق ، وتكلم . وكذلك السمع والبصر وكل جارحة منه من اليد والرجل وغيرهما ، جعل لطفا ومعنى ، به يُسمع السمع ، وبه يبصر البصر ، وبه تأخذ ، وتقبض اليد ، وبه تمشي ، وتذهب الرجل . فأينما جعل ذلك اللطف وذلك [ المعنى كان منه ذلك ما كان من السمع والبصر وغيره وكذلك ]{[17531]} الأطعمة والمياه ، ليس الغذاء في عينها ، ولكن في لطف ، جعل الله فيها لطفا ومعنى ، يصير غذاء لهم .

ألا ترى أن عين الطعام [ لا يبقى في المعدة ]{[17532]} فيُرمى به ، وينتفع بما فيه من الغذاء ؟ والله أعلم .


[17531]:من م، ساقطة من الأصل.
[17532]:في الأصل وم: يبقى.