الآية 11 وقوله تعالى : { فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا } قيل : هي السماوات والأرض والجبال ، وقيل : [ هم ]{[17637]} الملائكة . وأكثرهم قالوا : قوله : { أهم أشد خلقا أم من خلقنا } أي السماوات والأرض كقوله : عز وجل : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } الآية [ غافر : 57 ] .
يقول ، والله أعلم : سلهم : أخلقهم{[17638]} وإعادتهم أشد وأكبر وأعظم ؟ وإذا أقررتم أنتم بقدرته على خلق السماوات والأرض كيف أنكرتم قدرته على إعادتكم بعد ما متّم ، وكنتم ترابا ورُفاتا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فاستفتهم } فسلهم ونحو ذلك مما أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ، أن يسألهم ، ويستفتيهم . يخرّج من الله عز وجل على وجوه :
أحدها : على التقدير عندهم والتنبيه لهم .
[ والثاني ]{[17639]} : على التعبير لهم والتوبيخ .
[ والثالث ]{[17640]} على التعليم [ للنبي صلى الله عليه وسلم جهة ]{[17641]} الحِجاج والمناظرة في ما بينهم وبيّن خصومهم .
وهكذا كل سؤال أو استفتاء كان من خبير عليم لمن دونه يخرّج على هذه الوجوه . وكل سؤال أو استفتاء كان من الجهّال لخبير عليم يخرّج على استرشاد وطلب للصواب .
وقوله تعالى : { فاستفتهم } [ وقوله ]{[17642]} { سلهم } [ القلم : 40 ] [ وقوله ]{[17643]} : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } الآية [ الزخرف : 45 ] [ وقوله ]{[17644]} : { سل بني إسرائيل } [ البقرة : 211 ] [ وقوله ]{[17645]} : { قل هو الله أحد } [ الإخلاص : 1 ] [ وقوله ]{[17646]} : قل كذا . هذا يخرّج على التقدير والتنبيه وعلى تعليم الكل جهة{[17647]} الحجاج والمناظرة لا على الأمر ، لأنه لو كان الأمر لكان لا يقول ذلك المأمور بالتبليغ : سل ، ولا تقل ، ولا شيئا{[17648]} من ذلك ، ولكن يبلّغ إليه رسالته وأمره أن يقول لكم : افعلوا كذا ، ولا تفعلوا . فدل أن ذلك الأمر للكل في أمر أنفسهم : أن قولوا لهم ، وأن افعلوا بهم كذا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فاستفتهم أهم أشد خلقا } الآية أمره أن يستفتيهم ، ولم يذكر أنهم ما أفتوه ، ولا أجابوه ولا قال : إنهم لو أجابوك ، وأفتوك بكذا ، فقل لهم كذا ، أو أجبهم بكذا .
فجائز أن يكون الجواب ما ذكرنا : أنكم لو لم تشاهدوا خلق ما ذكر من السماوات والأرض وغيرها سوى خلق أنفسكم ، ثم شاهدتم خلقنا ؛ أعني ما ذكرنا من السماوات والأرض والجبال وغيرها ، هل تنكرون قدرته على خلق ما شاهدتم ، وعاينتم أنه لم يخلقها /450-ب/ إلا هو ؟ كيف أنكرتم قدرته على خلق ما شهدتم وعاينتم أنه لم يخلقها إلا هو ؟ كيف أنكرتم قدرته على إعادتكم وبعثكم ؟
وقوله تعالى : { إنا خلقناهم من طين لازِب } يذكر ، والله أعلم ، ضعفهم وشدة ما خلق من سواهم ، إنكم تعلمون ضعف أنفسكم وعجزها وشدة من سواكم وقوتها وصلابتها [ ثم إنها مع شدتها وقوّتها وصلابتها ]{[17649]} أخضع لله وأطوع منكم ، نحو ما ذكر من طاعتها له وخضوعها حين{[17650]} قال عز وجل : { ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } [ فصلت : 11 ] وقال{[17651]} عز وجل : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعا من خشية الله } [ الحشر : 21 ] ونحو ذلك مما يكثر ، والله أعلم .
[ ويذكر في قوله ]{[17652]} عز وجل : { إنا خلقناهم من طين لازب } بدء خلقهم ، وأصله الذي خلقوا هم منه : إنكم إنما عرفتم ابتداء خلقكم وأصلكم الذي منه خلقتم أنه تراب أو طين بإخبار الرسل وبقولهم ، أنتما أهل مكة ، ممن لا يؤمنون بالرسل ، فكيف صدّقتم الرسل بما أخبروا عن أصلكم وبدء خلقكم ، ولم تصدّقوهم بما يخبرونكم من إعادتكم وبعثكم بعد موتكم ؟ فإذ صدّقتموهم في ذلك لزمكم التصديق لهم في كل ما يخبرون ، ويقولون ، والله أعلم .
أو يقول : إنه أنشأ من تلك النفس الواحدة التي خلقها من تراب من الخلق ما لو تركهم جميعا ، لم يُفنِهم ، ولم يُمتهم ، لامتلأت الدنيا منها . فمن قدر على إنشاء ما تمتلئ الدنيا منه ، من نفس واحدة ، لا يحتمل أن يعجزه شيء من البعث والإعادة وغير ذلك ، والله أعلم .
[ ويحتمل ]{[17653]} أن يقول في قوله عز وجل : { إنا خلقناهم من طين لازب } : إنه{[17654]} قد أنشأ من تلك النفس ومن ذلك الأصل قرنا بعد قرن ، بعد إفناء كل قرن أنشأ قرنا آخر ، فلا يحتمل أن يكون المقصود من إنشائهم الإنشاء ثم الإفناء والنقض خاصة ، لا عاقبة تقصد بالإنشاء والإفناء ، إذ في الشاهد من كان مقصوده في البناء البناء والنقض خاصة كان غير حكيم .
فإذا عرفتم الله عز وجل أنه حكيم ، فلا يحتمل أن يكون مراده من إنشائكم وإفنائكم ذلك خاصة ، لا غير . وذلك يزيل الحكمة ، ويوجب السّفه . تعالى الله عن ذلك وعن جميع ما يصفه الملاحدة علوًّا كبيرا .
[ ويحتمل ]{[17655]} : أن يقول : إنكم عرفتم أنكم إنما أنشأكم من تلك النفس التي أنشأها من تراب أو طين على اتفاق منكم ، فإذا متم ، وفنيتم ، صرتم ترابا أو طينا ، فكيف أنكرتم إعادته إياكم من تراب أو طين ؟ وقد أقررتم أن أصلكم من تراب أو طين ، والله أعلم ، على الوجوه التي ذكرنا يجوز أن يخرّج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.