الآية 24 وقوله تعالى : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت ايمانكم } اختلف في تأويله :
قال ابن مسعود رضي الله عنه : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم } قال : ( ذوات{[5215]} الأزواج من المشركين ) .
وقال علي رضي الله عنه ( ذوات {[5216]} الأزواج من المشركين ) .
ذهب ( عبد الله ) {[5217]} بن مسعود إلى أن بيع الأمة طلاقها ، يحل للمشتري وطأها ، وأسر الكتابية والمشركة يحلها لموالها وإن كان لها زوج في دار الحرب ، وذهب علي رضي الله عنه إلى أن الآية نزلت في المشركات .
وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ) {[5218]} قال : ( كل ذات زوج إتيانها زني إلا ما سبيت ) .
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أنه ) {[5219]} قال : ( وقعت في سهمي يوم أوطاس{[5220]} جارية فبينا أنا أسوقها إذ رفعت رأسها إلى الحل فقالت : ذلك زوجي ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم } الآية ، قال أبو سعيد رضي الله عنه : فاستحللنا فروجهن بها ) ، بين أبو سعيد الخدري رضي الله عنه في حديثه أن الآية نزلت في المشركات ذوات{[5221]} الأزواج ، وكان حديثه يقوي قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن وافقه .
وقيل أيضا في تأويل الآية : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } قيل{[5222]} : { والمحصنات من النساء } حرام على الرجال { إلا ما ملكت أيمانكم } ( أيمانهم قيل{[5223]} ) ملك يمينه امرأته .
وعن أبي قلابة قال : ( ما سبيتم من النساء ) إذا سبيتم المرأة ولها زوج من قومها فلا بأس أن يطأها .
وعن ابن عباس رضي الله عنه : { والمحصنات من النساء } قال : ( لا يحل له ان يتزوج فوق أربع نسوة ، وما زاد عليهن وهو عليه حرام ، كأمه وابنته وأخته { إلا ما ملكت إيمانكم } الإماء ، فإنه ( زيادة ) {[5224]} على أربع ( وأكثر من أربع ) {[5225]} .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : { إلا ما ملكت إيمانكم } ( هن نساؤكم . ( قال كان النساء يأتينا ) {[5226]} يهاجرن ولا يهاجر أزواجهن فمنعناهن في هذه الآية . ثم أنزل الله عز وجل في الممتحنة : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } ( الممتحنة 10 ) ( فقوله تعالى ){[5227]} { إذا آتيتموهن أجورهن } أحلهن{[5228]} لنا بعد أن تزوجهن . وفيه نهى عن الزنى ، وأباح ( التزوج فجعل ) {[5229]} ملك اليمين التزوج . {[5230]}
وأصح ( التأويلات وأولاها ) {[5231]} ما وري عن علي رضي الله عنه ، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وظاهر القرآن يدل على أن ذلك هو الحق ، لأن الله تعالى قد فصل في غير ( هذا ) {[5232]} الموضع بين التزوج وملك اليمين ، فجعل ملك اليمين الإماء ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم } ( المؤمنون 6 والمعارج 30 ) ؟ قال : لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج فهاتان{[5233]} الآيتان تدلان على أن قول الله سبحانه وتعالى في آية { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } على غير الزوجات{[5234]} كما روي عن الجماعة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين الذين ذكرناهم .
ثم الكلام بين علي وأبي سعيد رضي الله عنه ، ونحن نعلم أن أبا مسعود رضي الله عنه أوجب على الأمة إذا باعها مولاها ولها زوج العدة إذا كان قد دخل بها ، وأنها عنده لا تحل لمولاها حتى تنقضي عدتها ، فلم يجعلها حلالا للمولى الثاني بملكه إياها ، فكان قول علي رضي الله عنه أشبه بظاهر الآية ، لأنه تأول الآية متزوجة تحل بالملك لمولاها في حال الملك من قول عبد الله ( بن مسعود ) ، {[5235]} إذ جعلها محرمة وإن كانت مملوكة حتى تنقضي{[5236]} عدتها .
وفي ذلك وجه آخر وهو أن الله تعالى ( في قوله ) {[5237]} : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم } يحرمها{[5238]} على البائع ويحللها للمشتري ، ولم يخص الله تعالى أحدا من المالكين . روي عن علي رضي الله عنه حمل الآية على امرأة كافرة متزوجة سبيت فأحلها / 88- أ / فلم تعزل ، من احل المملوكة هذا مع موافقة الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه .
وظاهر الآية يدل على أن المأسورة ذات الزوج لا عدة عليها ، وهو قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } إلى قوله : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } ( الممتحنة 10 ) فأمر ألا يردوهن{[5239]} وينكحن فلما جاز أن يتزوج الحرة إذا خرجت مسلمة ولا عدة عليها حلت إذا سبيت فملكت .
أحدها ) {[5240]} تعتد .
والثاني : إنما كانت حرة فأبطل السبي حكم الزوجية فكذلك يبطل حكم العدة . هذا كله إذا سبيت ولم يكن معها زوجها ، فإما سبيت وزجها معها فإن الفرقة لا تقع بينهما ، لأنها لو ( بانت من زوجها ) {[5241]} بانت للرق ، والرق لا يمنع ابتداء النكاح ، كيف يعمل في فسخ نكاح ثابت ؟ ولكن اختلاف الدارين هو الموقع في ما بينهما الفرقة لفوت الاجتماع بينهما ، وإذا فات الاجتماع بين الزوجين والإياس من الانتفاع وقعت الفرقة في ما بينهما . وهذا يبطل قول من يقول : تقع{[5242]} الفرقة في ما بينهما للرق .
والثالث : إن العدة حق من حقوق الزوج ، يبين ذلك قوله تعالى : { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ( الأحزاب 49 ) فلا يجوز ان يبقى للحربي على أن المسلمة الخارجة إلى ادر الإسلام حق . فإذا لم يكن عليها العدة لها أن تتزوج ، وسبيل الأمة المسبية تزوجها ووطؤها ، لولاها إن رسل الله صلى الله عليه وسلم تزوج صيفة بنة حيي بن أخطب في رجوعه من خيبر قبل أن يصل إلى المدينة ، ومعلوم أنها كان لها زوج كبير ، وأن عدتها منه لو كانت واجبة لم تنقض في تلك المدة ، فهذا يبين أن لا عدة على مسبية من زوجها المقيم دار الحرب ، ولا على مسلمة إذا خرجت من دار الحرب وأقام زوجها هنالك .
وقوله تعالى : { والمحصنات من النساء } الآية قيل فيه بأوجه أربعة{[5243]} :
أحدها : في ( المسبيات ذوات ) {[5244]} الأزواج ، وكذلك روي عن علي وأبي سعد الخدري رضي الله عنهما ، فيكون فيه أمر ان :
والثاني : ارتفاع العدة ، إذ هما حقان للحربي ، وحقه في نفسه لا يمنع الاسترقاق ، ولو كانت حرمة الاستمتاع فمثله في زوجته لكن يدخل على سبي الزوج : أن الرق قد يثبت فيهما ولم يبطل النكاح ، فيجاب لهذا بوجهين :
أحدهما : الاستحسان من حيث يلزم المولى حق الإنكاح بقوله : { وانكحوا الأيامى منكم والصالحين } الآية ( النور 32 ) ولم يبطل عليه التجديد . ليس هذا في سبي الزوجة ، إذ لا تعفف لها به ( وهو ){[5245]} في دار الحرب .
والثاني : ان يكون الزوج وحق الرق إنما يجب إذا خرج المرء من يد نفسه ، والمملوك قد يكون له يد في النكاح ، فكأنها لم تخرج من يده إذا سبي معها ، وإذا لم يسب{[5246]} لا يكون لمن في دار الحرب يد في دار الإسلام .
وفي حق الآية عبارة{[5247]} أخرى ؛ أنها إذا سبيت دونه انقطعت عنها عصمة بسبب حل غيره بقوله{[5248]} تعالى : { إذا جاءكم المؤمنات } إلى قوله : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } ( الممتحنة 10 ) ، وقد جعل ذلك في الزوج سببا لقطع عصمته بقوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ( الممتحنة 10 ) ، وعصمة الزوجين عصمة مشركة ، أيهما{[5249]} خرج مسلما خرج لئلا يعود ، وكذلك المختلف يختلف لئلا يخرج ، فتبطل العصمة بينهما ، فأحل التناكح ، ولو خرجا معا لا ، فمثله أمر السبي .
وتأويل آخر{[5250]} أن قوله تعالى : { والمحصنات من النساء } الآية قوله : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } الآية ( النساء 3 ) على ألا يحل وراء الأربع إلا ما ملك يمين . وعلى هذا في غير ذوات{[5251]} الأزواج ، وقد روي مثله عن ابن عباس رضي الله عنه ، ويكون في ذلك بيان ما كانت حرمته من حيث كانت حرمة العدد يختص في النكاح . فإن كان النكاح وملك اليمين في ما كانت الحرمة من حيث المنكوحة يستوي من حيث كانت العدد بحيث العقد بما فيه من الحقوق التي لا يقوم لها إلا بشر قد عصم وقد ملك اليمين وما كانت الحرمة بحيث نفس امرأة يستوي لاستواء الملكين في حق الحل والحرمة .
ووجه آخر{[5252]} : قيل : المحصنات هن الحرائر وما ملكت أيمانكم بالنكاح ، فذهب من يقول بهذا إلى ما لو يذكر أيمان وبكن قال : { والمحصنات من النساء إلا ( ما ملكت أيمانكم } ) {[5253]} فيكون التحريم في غير النكاح ، لكنه بعيد على المعهود من الكلام : أنه لا يتكلم به إلا في ملك اليمين خاصة ، ويجوز الأمرين في الإماء على حظر وطء الزانيات على المولى واختيار المتعففات منهن لمكان الأولاد .
وقوله تعالى : { كتاب الله عليكم } قيل : { كتاب الله عليكم } ما ذكر مما هؤلاء الإناث . وقال الكسائي نصب { كتاب الله } على قوله : حرم كذا وأحل كذا : { كتاب الله } { عليكم } على الأمر ( يقول ) {[5254]} عليكم كتاب الله دونكم كتاب الله اتبعوا كتاب الله في نحو هذا المعنى وقيل : { كتاب الله عليكم } يقول : هذا حرام الله عليكم في الكتاب . وقيل : هذا التحريم من النكاح قضاء الله عليكم في الكتاب .
وقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } اختلف فيه :
قيل : { ما وراء ذلكم } أي : ما سوى ذلكم ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه ، دليله قوله : { ويكفرون بما وراء } ( البقرة 91 ) أي سواه .
وقيل : ما وراء ذلكم } أي ما قبله وأمامه ، وهو كقوله : { وكان وراءهم ملك } ( الكهف 79 ) وهو كان أمامهم .
وقيل : وراء ذلك أي : بعد ذلك وخلفه ، وهو ظاهر . وقال : من سوى ذلكم الذي حرم عليكم ما لم يسم لكم .
ومن قال : { ما وراء ذلكم } أمام ذلك وقبله ، وهو ما ذكر قبل هذه المحرمات ، قوله : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ( النساء 3 ) .
ومن قال : { ما وراء } بعد أي : بعد أربعة الأصناف المحرمة بالنسب والمحرمات بالرضاع والمحرمات بالصهر والمحرمات بالجمع ، يقول : أحل لكم ما بعد هؤلاء أربعة الأصناف .
وقيل : في قوله : { والمحصنات من النساء } هن المتعففات من الإماء : { إلا ما ملكت إيمانكم } من الإماء المسافحات الزانيات كأنه قال : فاستمتعوا بالمتعففات منهن ولا تستمتعوا بالزانيات ، لأنه يلبس عليكم النسب ، وهم كقوله : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن محصنا } ( النور 33 ) .
وقوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } بين الله تعالى أن النكاح لا يكون إلا ( ببدل يكون مالا ) {[5255]} لأنه قال : { بأموالكم } وفي الآية دلالة أيضا أم ما يملك لا يقع عليه اسم المال لا يكفين مهرا لأنه قال : إن تبتغوا بأموالكم } ولا يسمى الدانق والحبة مالا ولو كانت الحبة ما لا كانت{[5256]} التمرة مالا ، فثبت بما وصفنا من دلالة الآية أن المهور لا تكون إلا من الأملاك فإن قيل : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " قد زوجتكما بما معك من القرآن " ( البخاري 5029 ) فقل{[5257]} : تأويله عندنا والله أعلم " بما معك " بسبب ما معك من القرآن ولا يجوز أن تكون السورةمهرا بدليل الكتاب لأنها ليست بمال . وكذلك كل شيء ليس بمال ولا يكون له قيمة فلا يجوز أن يكون مهرا وكذلك قوله سبحانه وتعالى : { فنصف ما فرض تم } ( البقرة 2 . 7 ) يدل على أن السورة وما ( لا ) {[5258]} لا يتمول لا يكون مهرا .
وروي عن أنس أن عبد الرحمن ابن ع وف رضي الله عنه تزوج على وزن نوا ة من الذهب يكون دينارا فإن قيل : قد بين في الخبر فقيمتها : ثلاثة دراهم وثلث لكن لا ندري من كان المقيم للنواة ؟ ولا يجوز أن يجعل تقييم ذلك المقيم وتفسيره{[5259]} حجة على علمائنا حتى نعلم ذلك ما قال قوم : إن النواة عشرة دراهم وهو ما قال إبراهيم / 88- ب/ .
فإن قيل : روي عن جابر ( بن عبد الله ) {[5260]} رضي الله عنه ( أنه ) {[5261]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطى في نكاح ملء كفه طعاما أو دقيقا أو سويقا فقد استحل " ( الدراقطني 3003 ) وكذلك يقول أصحابنا رحمهم الله تعالى : ( ولكن يتم لها عشرة د راهم ) وبم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ولا شيء عليه سوى ذلك مع ما يقول المخالف لنا : إذا كان المهر مما لا يتمول لم يكن مهرا وملء الكف من الطعام لا يتمول وإن جعل ذلك مهرا فقد ترك أ صله فقد ترك أصله ان ما لا يتمول ليس{[5262]} بمهر . فكذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[5263]} قال : " زوجتكما بما معك من القرآن " ( البخاري 5029 ) ولم يذكر ( أن ) {[5264]} ليس عليه سوى ذلك .
وأهل العلم مجمعون على أن السورة لا تكون مهرا . ومن الحجة لعلمائنا ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا مهر دون العشرة " ( الدرقطاني 3559 ) وروي عن علي رضي الله عنه ( أنه ) {[5265]} قال : ( لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم ) وعن ابن عمر رضي الله عنه مثله .
على أن أهل العلم أجمعوا أن النكاح لا يكون إلا ببذل وأنه خالف سائر الأملاك التي توهب ويتصدق بها بغير بدل . وكل يجعل لذلك حدا وإن اختلفوا في ذلك المقدر والحد . ( ولم ) {[5266]} يجعل البدل إلا ما أجمعوا عليه وهو عشرة دراهم إذ كان النكاح مخصوصا ألا يملك إلا ببذل دون غيره من الأملاك .
وقوله تعالى : { محصنين غير مسافحين } قيل : متناكحين غير زانيين وقيل : { محصنين } أي عفائف للفروج وغير مسافحين في العلانية بالزنى وكأنه عز وجل بابتغاء{[5267]} النكاح بالأموال ونهى عن الاستمتاع بغير مال . وقيل : السافح الذي ي زني بكل امرأة يجدها والمسافحة كذلك تزني بكل أحد . والمتخذات أخدان هن اللاتي لا يزنين إلا بأخدانهن . والسفاح من الفعل ما ظهر ، وعلا مس لمة في النكاح .
وقوله تعالى : { فما استمتعم به منهن فآتوهن أجورهن } ذهب قوم إلى جواز المتعة بهذه الآية يقولون : ذكر الاستمتاع بهن ولم يذكر النكاح وذكر الأجر بعد الاستمتاع والمهر إنما يجب في النكاح بالعقد يؤخذ ( من ){[5268]} الزوج أولا بالمهر ، ثم يستمتع بها ، فهو بالمتعة والإجارة أشبه كقوله تعالى : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ( الطلاق 6 ) أمر بإتيان الأجرة إذا ارضعن ذلك لما ذكرنا الاستمتاع بهن ، وأمر بإتيان الأجر لا المهر . ذل أنها نزلت في المتعة .
وأما عندنا فإنها نزلت في النكاح دليله ، ما تقدم من الذكر ، وهو قوله تعالى : واحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله{[5269]} تعالى : { محصنين } متناكحين { غير مسفحين } غير زانيين { أن تبتغوا بأموالكم } كل ذلك يدل أنه في النكاح فكذلك قوله تعالى : { فما استمتعتم به منهن } في النكاح { فآتوهن أجورهن } وقد سمى الله المهر أجرا بقوله : { إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أزورهن } ( الأحزاب 50 ) وقوله{[5270]} تعالى : { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } ( النساء 25 ) .
وأما قولهم : ذكر إيتاء الأجر الاستمتاع والمهر يجب بالنكاح فهو على التقديم والتأخير كأنه قال : فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهم كقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجون من بيوتهن ولا يخرن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ( الطلاق 1 ) أي طلقوهن إذا طلقتم { لعدتهن } ونحو ذلك كثير .
وقال أبو بكر الأصم : دل قوله : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن } مهورهن كملا وإذا لم يدخلوا بهن فالنصف بالآية الأخرى{[5271]} فهذا فائدة ذكر الأجور والاستمتاع وهو بالنكاح أشبه وأولى من المتعة لما ذكرنا من تحريم الأجناس من المحرمات ( في أولها ) {[5272]} وباجتهاد في آخرها ما وراء ذلك . ذلك وبين أيضا أن الاستمتاع هو النكاح وان الأجر هو المهر لما ذكرنا .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ) {[5273]} قال : ( رحم الله عمر{[5274]} ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد . فلولا نهيه عنها إياها ما زنى إلا شقي } وكان يراها حراما حلالا . وكان يقول في حرف أبي ( بن كعب ) {[5275]} { على أجل مسمى } وروي أنه قال : ( إن الناس بهذا قد أكثروا في المتعة ) فقال : { إنها لا تحل إلا لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ) {[5276]} فدل قوله انها ب منزلة الميتة على انه رجع عن قوله الأول . فإن كانت المتعة في حال غير الضرورة حراما فلهي في حال الضرورة حلال{[5277]} وإنما أحل الله المحرم في الضرورة إذا خاف الرجل على تلف نفسه ، وليس في ترك الوطء خوف تلف نفسه .
روي عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى : { فما استمتعتم به منهن } ( أنه ) {[5278]} قال : ( نسخها ( قوله تعالى ) {[5279]} : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } الآية ( الطلاق 1 ) هذا يدل على أنه رجع عن قوله الأول . ومن الدليل على تحريمها قول الله س بحانه وتعالى : { والذين هم لفروجهن حافظون } { إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم } ( المؤمنون 5 و6 ) فحرم الله تعالى ( المتعة ) {[5280]} من الجماع ما عدا ملك النكاح ، وملك اليمين . والمتعة ليست بملك نكاح ولا ملك يمين ، فهي داخلة في التحريم .
ومن الدليل على تحريمها ما روي عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية وعن سبرة الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة .
وعن ابن عمر رضي الله عنه ( أنه ) {[5281]} قال : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن منعة النساء وعن أكل اللحوم الحمر الأهلية ( البخاري 4216 ) وفي{[5282]} خبر آخر أنه كان قائما بين الركن والمقام وهو يقول : " إني كنت أذنت لكم في المتعة فمن كان عنده شيء فليفارقه ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا فإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة " ( مسلم 1405/ 21 ) .
وعن ابن عمر رضي الله عنه ( أنه ){[5283]} قال : ( سمعت عمر رضي الله عنه يقول في المتعة : ( لو تقدمت فيها لرجمت ) . وعن وعبد الله ( أنه ) {[5284]} قال : ( المتعة متعة النساء منسوخة نسخها الطلاق والصداق والعدة والمواريث والحقوق التي توجب النكاح ) وعن عائشة رضي الله عنها أنها ذكر لها ( المتعة ) {[5285]} قالت : ( والله ما نجد في كتاب الله النكاح والاستشرار ) ثم تتلو هذه الآية : { والذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزواجهم او ما ملكت إيمانهم } الآية ( المؤمنون 5-6 ) .
وعن عمر رضي الله عنه ( أنه ) {[5286]} قال : ( متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما ) . فأنكر قوم على عمر رضي الله عنه إقراره أنهما فعلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه{[5287]} عنهما .
لكن الجواب في ذلك كحكم أنه علم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء وما نزل فيها من نص القرآن فكان وعيده لاحقا بمن فعلها لعلمه بأنها منسوخة .
وقوله عز وجل : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } يحتمل الأجارة ويحتمل التسريح بالنكاح : أنه إذا كان بعد الاستمتاع{[5288]} يؤتيهن كل المهر لأنه ذكر في النكاح والبعض بعد الطلاق في هذا . وأيد هذا التأويل ما كان عليه ذكر المحرمات والإحلال أنه كله بالنكاح . وكذلك قوله تعالى : { ومن لن يستطع منكم طولا } ( النساء 25 ) ان كله في النكاح لا في الأجارة وصف أنه بغي ونهوا عن ذلك .
وبقوله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون } ( المؤمنون 5 ) ذكر أن مبتغى وراء ذلك باغيا بهذا لو عرف بحكم المتاب ، فما ذكرته له ( الآية ) {[5289]} ناسخ ولو عرف بالأخبار لكانت{[5290]} الإباحة رويت مقرونة بهذا النهي . فمن رام الأخذ بطرف منها على الإغضاء عن الطرف الثاني أعطى خصمه الإغضاء عنه{[5291]} بالطرف الثاني والمنع عما قال به . ثم امتناع الأمة /79 –أ/ عن العمل على ظهور الحاجة ، ونفور الطباع عن قبول مثله من احد من{[5292]} المتصدقين فأصبر على الحق ثم دل ما وري عن ابن مسعود رضي الله عنه نسخه الطلاق والعدة أن الأول كان نكاحها يمضي بمضي المدة ، أبطله ارتفاع أحكام النكاح عنه .
وقوله عز وجل : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } في الآية دلالة أن الزيادة في المهر جائزة لأن الفريضة هي التسمية . فغن قوله تعالى : { فيما تراضيتم } معناه قوله تعالى : { إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح } ( البقرة 237 ) هو ان تبذل المرأة من مهرها شيئا للزوج{[5293]} أو الزوج لها ، قيل : لو كان ذلك كذلك برضاها ؛ يعني رضا زوجها .
وقال : { تراضيتم به } فجعل للزوج في الرضا نصيبا . ومعناه والله اعلم : ان الزوج إذا زاد على المهر فذلك جائز فهذا التراضي إنما يكون منهما جميعا في الحالين . وذلك أصل الزيادة في المهر والثمن في البيع وأشباه ذلك .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يخطب أم سلمة ، ويقول : " إن كان إيمانك أن أزيدك في الصداق زدتك ( وإن أزدك أزد ) {[5294]} النسوة " . وروي عن علي رضي الله عنه ( أنه ) {[5295]} قال : ( زدها فهو أعظم للبركة( . وروي عن عثمان وعمار كذلك . وقد دل الكتاب والسنة وقول الصحابة على جواز ذلك ، فهو الحق وعلى{[5296]} ذلك جمهور المسلمين في بياعتهم وتجارتهم .
ومن الدليل أيضا على جواز الزيادة في الثمن والمهر وأنها تصير كأنها مسماة في عقد البيع أن رجلا اشترى من رجل عبدا بيعا باتا ثم أن احدهما : جعل لصاحبه الخيار يوما ، فنقض البيع ، إن نقضه جائز ، ويصير ذلك ( كالخيار المشروط ){[5297]} في أصل البيع وكذلك رجل اشترى عبدا بألف درهم حوالة{[5298]} ثم إن البائع أجل المشتري بالثمن شهرا كان الأجل جائزا ويصير كأنهما سميا الأجل في عقد البيع فوجب أن تكون الزيادة بعد البيع في الثمن كأنها كانت في إذ عقد البيع .
وقوله تعالى : { إن الله كان عليما حكيما } في ما حرم وأحل { حكيما } حيث وضع كل شيء موضعه .