تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا} (65)

الآية 65

وقوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون } قيل : قوله : { فلا }صلة في كل قسم أقسم به كقوله : { لا أقسم بيوم القيامة }( القيامة : 1 ) ونحوه كل صلة . كأنه قال : أقسم{ وربك لا يؤمنون } وقيل : قوله : { فلا وربك } ليس هو على الصلة . ولكن يقال ذلك على نفي ما تقدم من الكلام وإنكار كقول الرجل : لا والله هو ابتداء الكلام ، ولكن على نفي ما تقدم من الكلام . فعلى ذلك هذا .

وفيه تفضيل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من البشر ، لأن الإضافة إذا خرجت إلى واحد تخرج مخرج التعظيم لذلك الواحد والتخصيص له . وإذا كانت إلى جماعة( تخرج ){[5894]} تعظيما له كقوله : { وأن المساجد لله } ( الجن : 18 )وقوله : { له ما في السماوات والأرض } ( البقرة : 116و . . . . )ونحوه .

وقوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حاكما ، وإن لم يحكموه ؛ ليس معناه ، والله أعلم{ حتى يحكموك فيما شجر بينهم } أي حتى يرضوا بحكمك وقضائك .

وقوله تعالى : { فيما شجر بينهم } أي اختلفوا بينهم ، وتنازعوا .

وقوله تعالى : { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } قيل ضيقا . وقيل : شكا{ مما قضيت }بينهم أنه حق .

وقيل : إنما ثم في الآية أن الإيمان في القلب لأنه قال تعالى : { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا } أي في قلوبهم . ألا ترى أنه قال تعالى في آية أخرى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } ؟ ( الأنعام : 125 )ذكر ضيق الصدر{[5895]} ، وهو واحد . إلا ترى أنه قال تعالى في آية أخرى : { ولم تؤمن قلوبهم } ؟ ( المائدة : 41 ) .

فهذه{[5896]} الآيات ترد على الكرامية قولهم لأنه قال تعالى : { بل يؤمنون ، فيقال لهم : أنتم أعلم أم الله ؟ ثم قيل : إن الآية نزلت في اليهودي والمنافق اللذين{[5897]} تنازعا ، فتحاكما إلى الطاغوت ، وقيل : نزلت في شأن رجل من الأنصار والزبير بن العوام ؛ كان بينهما تشاجر في الماء ، فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للزبير : اسق ، ثم أرسل الماء إلى جارك ، فغضب ذلك الرجل ، فنزلت الآية : { فلا وربك لا يؤمنون } الآية . ولا ندري كيف كانت القصة ؟ وفيم كانت ؟ .

ثم روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأخبار أنه قال : " لا يؤمن أحد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وولده وماله والناس جميعا " ( البخاري 14و15 ) .

وقيل في قوله تعالى : { ثم لا يجدوا في أنفسهم } أي في قلوبهم{ حرجا } أي شكا{ مما قضيت } أنه هو الحق{ ويسلموا } لقضائك لهم وعليهم{ تسليما } . وفي قوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع } قيل : تأويله أنه ما أرسل رسولا في الأمم السالفة إلا ليطيعوه{[5898]} ، فكيف تركتم أنتم طاعة الرسول الذي أرسل إليكم ؟ وقوله تعالى : { إلا ليطاع بإذن الله } ما أرسل الله رسولا إلا وقد أمرهم أن يطيعوه . لكن منهم من أطاعه ، ومنهم من لم يطع .


[5894]:ساقطة من الأصل وم.
[5895]:في الأصل وم: الأنفس.
[5896]:في الأصل وم: التي.
[5897]:في الأصل وم: التي.
[5898]:في الأصل وم: ليطيعوا.