تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (12)

الآية 12 وقوله تعالى : { له مقاليد السماوات والأرض } كقوله{[18688]} في آية أخرى : { وعنده مفاتح الغيب } [ الأنعام : 59 ] وقوله : { ولله خزائن السماوات والأرض } [ المنافقون : 7 ] وقوله : { بيده ملكوت كل شيء } [ المؤمنون : 88 ويس : 83 ] ونحو ذلك من الآيات فيها ذكر المفاتح والمقاليد والخزائن التي أضافها إلى نفس .

ثم لم يفهم الخَلق من المفاتح المُضافة والمقاليد والخزائن ما يفهم لو أضيف إلى الخلق ، بل فهموا من المفاتح المُضافة إلى الخَلق والمقاليد المنسوبة إليهم معنى ، لم يفهموا ذلك المعنى من المفاتح والمقاليد المُضافة إلى الله تعالى ، فما ينبغي أن يفهموا{[18689]} من قوله تعالى : { بيده ملكوت كل شيء } وقوله تعالى : { بل يداه مبسوطتان } [ المائدة : 64 ] وقوله تعالى : { لِما خلقت بيديّ استكبرت } [ ص : 75 ] ونحو ذلك ما يفهموه من اليد المضافة إلى الخلق ، لكنه ذكر المفاتح والمقاليد ، وأضافها إلى نفسه ، لأن كل محجوب ومستور عن الخلق في ما بينهم إنما يوصلهم إلى ذلك المحجوب والمستور عنهم بالمفاتح والمقاليد التي ذكر .

فعلى ذلك ما أضاف إلى نفسه من اليد وغيرها لما باليد يُبسط في الشاهد ، وبها يُمنع ، وبها يُكتسب ، ويُفعل ما يُفعل ، فأضاف إلى نفسه ما به يكون في الشاهد من الفعل والبسط والمنع كناية عن هذه الأفعال ، والله الموفّق .

وقوله تعالى : { يبسُط الرزق لمن يشاء ويقدر } فيه دلالة نقض المعتزلة لأن الرزق المذكور يحتمل وجوها : أحدها : ما ذكر في قوله تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون } [ الذاريات : 22 ] وهو المطر .

والثاني : الأملاك التي يكتسبون .

والثالث : المنافع التي جعل لهم .

ثم الإشكال أن الأملاك التي تكون لهم والمنافع التي ينتفعون بها ، وجُعلت لهم ، إنما تكون بأسباب واكتساب منهم ، ثم أضاف ذلك في البسط والتقتير حين{[18690]} قال : { يبسُط الرزق لمن يشاء ويقدر } . دل أن لله تعالى في ذلك صنعا وتدبيرا ، وهو أن خلق اكتسابهم وأسبابهم التي بها يُوصل إليهم الرزق .

وقوله تعالى : { إنه بكل شيء عليم } تقدم .


[18688]:في الأصل وم: وقال.
[18689]:في الأصل وم: يفهموه.
[18690]:في الأصل وم: حيث.