تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

الآية 15 وقوله تعالى : { فلذلك فادع واستقم كما أُمرت } اختُلف في قوله : { فلذلك فادع واستقم } :

عن ابن عباس رضي الله عنه : [ أنه قال ]{[18702]} أي فبهذا القرآن الذي أُنزل إليك فادع . وكذا قال قتادة : فبهذا القرآن فادع . وقيل : فلذلك وعد أن ينزل عليك ، فادعُ .

وقال بعضهم : أي وإلى ذلك الكتاب فادع . وقيل : فإلى التوحيد الذي بُعث الرسل إلى الدعاء إليه فادع إليه ، أي ادع إلى التوحيد الذي لأجله بُعث الرسل ، والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { واستقِم كما أمرت } دليل على أنه كان قد سبق له الأمر بالاستقامة .

ثم يحتمل ما ذكر من الاستقامة التي أمر بها ، هو تبليغ الرسالة إليهم . ويحتمل العبادة له والطاعة ، ويحتمل الاستقامة في التوحيد له ودعاء الخلق إليه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولا تتّبع أهواءهم } أي في ترك الدعاء إلى التوحيد ؛ إذ هو هوى الكَفَرة أن يترك هو الدعاء إلى التوحيد . ويحمل أنه نهى عن إجابته إياهم في ما دعوا هم ؛ إذ هوى الكفرة أن يُجيبهم في ما دعوا هم إليه من الشرك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب } أمره بأن يُخبِر مؤمن بجميع الكتب التي أنزل الله ليوافقوه في الإيمان بجميع الكتب [ لأن ]{[18703]} أولئك الكفرة كانوا يؤمنون ببعض الكتب ، ويكفرون ببعض .

وقوله تعالى : { وأُمرت لأعدِل بينكم } أي أن أكون عدلا في ما بينكم ، أي يسوّي بينهم ، ثم نعت الذي كان يدعوهم إلى [ توحيده ، بقوله ]{[18704]} وهو قوله : { الله ربنا وربكم } .

وقوله تعالى : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } هذا يخرّج على وجهين :

أحدهما : على المنابذة كقوله : { لكم دينكم ولي دين } [ الكافرون : 6 ] وإنما يُقال هذا بعد ما تبلغ{[18705]} الحُجج غايتها ، والحِجاج نهايته ، فلم ينجع ذلك فيهم ، وأيِس{[18706]} منهم .

والثاني : يقول : إنا لا نُؤاخَذ بأعمالكم ، ولا أنتم تُؤاخَذون بأعمالنا [ كقوله تعالى ]{[18707]} { فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمّلتم } [ النور : 54 ] ونحوه .

وقوله تعالى : { لا حجة بيننا وبينكم } يحتمل { لا حجّة بيننا وبينكم } أي لا حجّة بقيت في ما ادّعيتُ ، ودعوتُكم إليه إلا وقد أقمتُها عليكم ، أي لم تبق حجة في ذلك إلا وقد أقمتُها . ويحتمل أن يقول : { لا حجة بيننا } أي لا حجة ولا خصومة بيننا بل ما بلغ الأمر ما بلغ .

ثم قال : { الله يجمع بيننا } في الآخرة { وإليه المصير } .


[18702]:ساقطة من الأصل وم.
[18703]:ساقطة من الأصل وم.
[18704]:في الأصل وم: التوحيد وهو قوله.
[18705]:في الأصل وم: انتهت.
[18706]:في الأصل وم: وأيسوا.
[18707]:ساقطة من الأصل وم.