محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (12)

{ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي مفاتيح الأرزاق وخزائن الملك والملكوت { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ } أي يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه ويغنيه ، ويقتّر على آخرين { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } اعلم أنه تعالى لما عظّم وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله{[6444]} { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم } ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك ، وهو ما شرعه له ولهم من الاتفاق على عبادته وحده لا شريك له كما قال{[6445]} : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله ألا أنا فاعبدون } وفي الحديث{[6446]} : ( نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد ) . يعني : عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم . كقوله تعالى{[6447]} : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } . وتخصيص هؤلاء الخمسة ، وهم أولوا العزم عليهم السلام ، بالذكر ، لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة . ولاستمالة قلوب الكفرة ، لاتفاق الكل على نبوّة بعضهم . وابتدأ بنوح عليه السلام لأنه أول الرسل . والمعنى : شرع لكم من الدين ا وصى به جميع الأنبياء من عهد نوح عليه السلام إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام . والتعبير بالتوصية فيهم والوحي له ، للإشارة إلى أن شريعته صلى الله عليه وسلم هي الشريعة الكاملة . ولذا عبر فيه ب { الذي } التي هي أصل الموصولات . وأضافه إليه بضمير العظمة ، تخصيصا له ولشريعته بالتشريف وعظم الشأن وكمال الاعتناء . وهو السر في تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا { كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أي من إخلاص العبادة لله وإفراده بالإلوهية والبراءة مما سواه من الأوثان { اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء } وهو من صرف اختياره إلى ما دعي إليه { وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } أي يوفق للعمل بطاعته واتباع رسله من يقبل إلى طاعته ويتوب من معاصيه


[6444]:[42 / الشورى /3].
[6445]:[21 / الأنبياء /25].
[6446]:أخرجه البخاري في: 60 -كتاب الأنبياء، 48- باب {واذكر في الكتاب مريم}، حديث رقم 1617، عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم في: 43 -كتاب الفضائل، حديث رقم 145 (طبعتنا).
[6447]:[5 / المائدة /48].