تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

الآية 23 وقوله تعالى : { ذلك الذي يُبشّر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قوله : { ذلك الذي يبشّر الله } أي الذي ذكر من الفضل الكبير ، ووعد أنه يعطيهم ، يبشّر الله تعالى به من ذكر من عباده { الذين آمنا وعملوا الصالحات } والله أعلم .

وقوله تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى } قال بعض أهل التأويل : قالت الأنصار : إنا فعلنا ، وفعلنا كذا ، فكأنهم افتخروا ، وقالوا : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم ، فقال : ( يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلّة ، فأعزّكم الله تعالى ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله تعالى ؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال : أفلا تجيبونني ؟ قالوا : ما تقول يا رسول الله ؟ قال : ألا تقولون : ألم يُخرجك قومك ، فآويناك ؟ أولم يكذّبوك فلصدّقناك ؟ أولم يخذلوك ، فنصرناك ؟ فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله ، الفضل لرسوله ، فنزل قوله تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ] [ أحمد : 3/ 58 ] .

لكن ذُكر في الخبر ما لا يليق{[18728]} بالأنصار : أن يظنوا ذلك برسول الله ، وكذلك ما ذُكر من فخرهم وقولهم : لنا الفضل عليكم . هذا لا يحتمل منهم . فدل أن الحديث غير صحيح ، أو الزيادة التي لا تُحتمل ، والله أعلم .

وفي بعض الأخبار أن الأنصار رضي الله عنهم قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنوبه النوائب من القرابة وغيرهم ، فتعالوا حتى نجمع له شيئا من أموالنا شيئا فنستعين به على ما ينوبه من الحقوق ، ففعلوا ، ثم أتوا به ، فقالوا : إنك قد تنوبك نوائب وحقوق ، وليست عندك لها سعة ، فأتيناك بشيء تستعين به على ما ينوبك من النفقة في أهلك والنازلين بك ، فنزل قوله : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى } .

[ ثم يخرّج قوله : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } ]{[18729]} على وجوه :

أحدهما : يقول : لا أسألكم على ما أبلّغكم من الرسالة ، وأدعوكم إلى الإيمان بالله تعالى ربي إلا صلة أرحامكم وقرابتكم ، أي لا أسألكم على تبليغ الرسالة إليكم [ ما ]{[18730]} أدعوكم إليه أجرا إلا أن تصلوا قراباتكم وأرحامكم . فتدل الآية على وجوب صلة الأرحام .

[ والثاني ]{[18731]} : أن يكون ذكر هذا ردًّا لقول أولئك الكفرة حين{[18732]} قالوا : إن محمدا جاء بقطع الأرحام وتفريق القُربات حتى فرّق بين [ من ]{[18733]} أجابه إلى ما دعاه إليه وبين من لم يُجبه من الوالد والولد والزوج والزوجة ونحو ذلك . فقال عند ذلك : { قل لا أسألكم عليه أجرا } ولا أدعوكم إلى قطع الأرحام والقرابات ، بل ما أطلب منكم إلا صلة الأرحام بما دعوتكم إليه .

ويحتمل أن يقول : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا ، أو لا أقبله منكم إن أعطيتموني إلا أن تصلوني بحق القرابة والرحم التي بيني وبينكم ، فأقبله منكم ، وقد كان بينه وبينهم قرابات ورحم .

ويحتمل ما قال الحسن{[18734]} : والله ما كان نبي الله تعالى يسأل على هذا القرآن أجرا ، ولكنه أمر أن يتقرّبوا إلى الله تعالى بطاعته وحب كتابه . فكان معنى الآية { إلا المودة في القربى } أي إلا التقرّب إلى الله تعالى والتودّد بالعمل الصالح .

وقال بعضهم : { إلا المودة في القربى } إلا أن تودّوني لأجل قرابتي كما تودّون لقُرابتكم ، وتواصلون بها . ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني ، ولست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه منكم على ذلك .

وقال قتادة : إن الله تعالى أمر محمدا صلى الله عليه وسلم ألا يسأل على هذا القرآن والتبليغ { أجرا إلا المودة في القربى } إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون قريش بينه وبينهم قرابة .

وقال بعضهم : إلا أن تودّوا قرابتي .

وقال بعضهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لم تتّبعوني إلى ما أدعوكم إليه ، وآمركم به ، فاحفظوني في قرابتي .

وأصله ما ذكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسنا } هو كقوله تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } والله أعلم .

وقال أبو عوسجة : الاقتراف الاكتساب والمقارفة المعاشرة ، وقُرف فلان ، فهو مقروف أي اتُّهِم بشيء .

وقوله تعالى : { إن الله غفور رحيم } قوله { غفور } أي يغفر لهم ، وإن لم يحقّقوا التوبة والرجوع سرّا وعلانية ، ولم يستوجبوا الغفران والعفو ، وقوله : { شكور } أي يُشكَر ، ويقبل منهم الشكر ، وإن لم يحقّقوا له الشكر ، ولم يستحقوا قبوله فضلا منه ونعمة ، والله أعلم .

وقال أهل التأويل : { غفور } للذنوب { شكور } للحسنات ، يضاعفها ، والله أعلم .


[18728]:أدرج بعدها في الأصل وم: ذلك.
[18729]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[18730]:في الأصل وم: و.
[18731]:في الأصل وم: ويحتمل.
[18732]:في الأصل وم: حيث.
[18733]:ساقطة من الأصل وم.
[18734]:أدرج بعدها في الأصل وم: فقال.