الآية 23 وقوله تعالى : { ذلك الذي يُبشّر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قوله : { ذلك الذي يبشّر الله } أي الذي ذكر من الفضل الكبير ، ووعد أنه يعطيهم ، يبشّر الله تعالى به من ذكر من عباده { الذين آمنا وعملوا الصالحات } والله أعلم .
وقوله تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى } قال بعض أهل التأويل : قالت الأنصار : إنا فعلنا ، وفعلنا كذا ، فكأنهم افتخروا ، وقالوا : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم ، فقال : ( يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلّة ، فأعزّكم الله تعالى ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله تعالى ؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال : أفلا تجيبونني ؟ قالوا : ما تقول يا رسول الله ؟ قال : ألا تقولون : ألم يُخرجك قومك ، فآويناك ؟ أولم يكذّبوك فلصدّقناك ؟ أولم يخذلوك ، فنصرناك ؟ فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله ، الفضل لرسوله ، فنزل قوله تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ] [ أحمد : 3/ 58 ] .
لكن ذُكر في الخبر ما لا يليق{[18728]} بالأنصار : أن يظنوا ذلك برسول الله ، وكذلك ما ذُكر من فخرهم وقولهم : لنا الفضل عليكم . هذا لا يحتمل منهم . فدل أن الحديث غير صحيح ، أو الزيادة التي لا تُحتمل ، والله أعلم .
وفي بعض الأخبار أن الأنصار رضي الله عنهم قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنوبه النوائب من القرابة وغيرهم ، فتعالوا حتى نجمع له شيئا من أموالنا شيئا فنستعين به على ما ينوبه من الحقوق ، ففعلوا ، ثم أتوا به ، فقالوا : إنك قد تنوبك نوائب وحقوق ، وليست عندك لها سعة ، فأتيناك بشيء تستعين به على ما ينوبك من النفقة في أهلك والنازلين بك ، فنزل قوله : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى } .
[ ثم يخرّج قوله : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } ]{[18729]} على وجوه :
أحدهما : يقول : لا أسألكم على ما أبلّغكم من الرسالة ، وأدعوكم إلى الإيمان بالله تعالى ربي إلا صلة أرحامكم وقرابتكم ، أي لا أسألكم على تبليغ الرسالة إليكم [ ما ]{[18730]} أدعوكم إليه أجرا إلا أن تصلوا قراباتكم وأرحامكم . فتدل الآية على وجوب صلة الأرحام .
[ والثاني ]{[18731]} : أن يكون ذكر هذا ردًّا لقول أولئك الكفرة حين{[18732]} قالوا : إن محمدا جاء بقطع الأرحام وتفريق القُربات حتى فرّق بين [ من ]{[18733]} أجابه إلى ما دعاه إليه وبين من لم يُجبه من الوالد والولد والزوج والزوجة ونحو ذلك . فقال عند ذلك : { قل لا أسألكم عليه أجرا } ولا أدعوكم إلى قطع الأرحام والقرابات ، بل ما أطلب منكم إلا صلة الأرحام بما دعوتكم إليه .
ويحتمل أن يقول : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا ، أو لا أقبله منكم إن أعطيتموني إلا أن تصلوني بحق القرابة والرحم التي بيني وبينكم ، فأقبله منكم ، وقد كان بينه وبينهم قرابات ورحم .
ويحتمل ما قال الحسن{[18734]} : والله ما كان نبي الله تعالى يسأل على هذا القرآن أجرا ، ولكنه أمر أن يتقرّبوا إلى الله تعالى بطاعته وحب كتابه . فكان معنى الآية { إلا المودة في القربى } أي إلا التقرّب إلى الله تعالى والتودّد بالعمل الصالح .
وقال بعضهم : { إلا المودة في القربى } إلا أن تودّوني لأجل قرابتي كما تودّون لقُرابتكم ، وتواصلون بها . ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني ، ولست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه منكم على ذلك .
وقال قتادة : إن الله تعالى أمر محمدا صلى الله عليه وسلم ألا يسأل على هذا القرآن والتبليغ { أجرا إلا المودة في القربى } إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون قريش بينه وبينهم قرابة .
وقال بعضهم : إلا أن تودّوا قرابتي .
وقال بعضهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لم تتّبعوني إلى ما أدعوكم إليه ، وآمركم به ، فاحفظوني في قرابتي .
وقوله تعالى : { ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسنا } هو كقوله تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } والله أعلم .
وقال أبو عوسجة : الاقتراف الاكتساب والمقارفة المعاشرة ، وقُرف فلان ، فهو مقروف أي اتُّهِم بشيء .
وقوله تعالى : { إن الله غفور رحيم } قوله { غفور } أي يغفر لهم ، وإن لم يحقّقوا التوبة والرجوع سرّا وعلانية ، ولم يستوجبوا الغفران والعفو ، وقوله : { شكور } أي يُشكَر ، ويقبل منهم الشكر ، وإن لم يحقّقوا له الشكر ، ولم يستحقوا قبوله فضلا منه ونعمة ، والله أعلم .
وقال أهل التأويل : { غفور } للذنوب { شكور } للحسنات ، يضاعفها ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.