تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

الآية 35 وقوله تعالى : { فلا تهِنوا وتدعوا إلى السّلم } أي لا تضعُفوا ، وتدعوا إلى الصّلح . كذلك قال القتبيّ ، وقال أبو عوسجة ، السِّلم بكسر{[19480]} السين : الصّلح ، ولا أعرف بفتح السين ههنا له معنى .

وقوله تعالى : { وأنتم الأعلون } أي وأنتم الغالبون ؛ فيه النهي عن الدعاء إلى الصلح إذا كانوا هم الأعلون ، أعني أهل الإسلام . ثم قوله تعالى : { وأنتم الأعلون } يحتمل وجوها :

يحتمل { الأعلون } بالحُجج والبراهين في كل وقت . ويحتمل { الأعلون } بالقهر والغلبة في العاقبة ، أي آخر الأمر لكم .

ويحتمل { الأعلون } في الدنيا والآخرة ، لأنهم ، وإن غُلبوا في الدنيا ، وقُتلوا ، كانت لهم الآخرة ، وإن ظفروا بهم ، كانت لهم الدنيا والأموال .

وقال بعضهم : { وأنتم الأعلون } أي وأنتم أولى بالله منهم ، وهو ما ذكرنا في الآخرة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والله معكم } يحتمل { معكم } في النصر والغلبة ، ويحتمل { معكم } في الوعد الذي وعد ، أي ينجز ما وعد لكم في الدنيا ، ويفي بذلك .

وقوله عز وجل : { ولن يتِركُم أعمالكم } اختُلف فيه : قال بعضهم : أي لن يجعل الله للكافرين عليكم مظلمة ولا تبِعة ، وهو يحتمل في الدنيا والآخرة كقوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } [ النساء : 141 ] .

وقال بعضهم : { ولن يتركم أعمالكم } أي لن ينقصكم أعمالكم ، وكذا قال أبو عوسجة ؛ يقال : وَتَرَهُ ، أي نَقَصَهُ ، وقال بعضهم : لن يظلمكم أعمالكم ؛ يقال : وَتَرني حقّي أي بَخَسَنيه ، كذلك قال القتبيّ ، ولكن كلامهما واحد في المعنى ، أي لا ينقص من أعمالهم شيئا ، ولا يُظلمون فيها ، ولا يُبخسون ، والله أعلم .


[19480]:انظر معجم القراءات القرآنية ج6/197.