تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤۡتِكُمۡ أُجُورَكُمۡ وَلَا يَسۡـَٔلۡكُمۡ أَمۡوَٰلَكُمۡ} (36)

الآية 36 وقوله تعالى : { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } أي الحياة{[19481]} الدنيا على ما عندهم وعلى ما يقدرون لعب ولهو ، لأنهم كانوا يقولون : أن لا بعث ولا حياة [ بعد الموت ]{[19482]} فعلى ما عندهم تكون الحياة{[19483]} الدنيا على ما ذكر من اللهو واللعب .

ويحتمل أنه سمّاها لهوا ولعبا لأنهم على ما يزعمون أنشأها للانقطاع والفناء ، لا لتُكتسب بها الحياة الدائمة في الآخرة ، وإنشاء الشيء للانقطاع والفناء خاصة بلا عاقبة تُقصد يكون لعبا ولهوا .

ثم اللعب واللهو يجوز أن يكونا شيئا واحدا ، ويجوز أن يكون أحدهما مما يُستمتع بباطن الأشياء ، والآخر مما يُستمتع بباطن الأشياء : اللعب هو ما يستمتع بظواهر الأشياء ، واللهو هو ما يُتلهّى ببواطنها ، والله أعلم .

وقوه تعالى : { وإن تؤمنوا وتتقوا يُؤتكم أجوركم } أي وإن تؤمنوا بما أُمرتم الإيمان [ به ]{[19484]} وتتّقوا عما نهيتم عن مخالفة أمره { يؤتكم أجوركم } جعل الله عز وجل بفضله ورحمته لأعمالهم التي يعملون لأنفسهم أجرا ؛ إذ لا أحد يعمل لنفسه ، ويأخذ الأجر من غيره ، لأنهم بالأعمال يُسقطون عن أنفسهم التكليف بالشكر لنعم الله تعالى . حين{[19485]} أسدى عليهم النّعم ابتداء . لكنه جعل لأعمالهم أجرا ، كأنهم يعملون له ابتداء ، وإن كانوا عاملين لأنفسهم حقيقة ، وإليه ترجع منافع أعمالهم ، ولأن أنفسهم وأموالهم في الحقيقة لله تعالى ، فكيف يستحقّون الأجر على مولاهم بأعمالهم ؟ وذا كما ذكرنا من الإقراض له والاستدانة منه ، كأن لا مُلك له في ذلك ، وأن ليس له ذلك ، وإن كانت حقيقة أملاكهم وأنفسهم لله تعالى فضلا منه وكرما . فعلى ذلك هذا ، والله أعلم .


[19481]:في الأصل وم: حياة.
[19482]:ساقطة من الأصل وم.
[19483]:في الأصل وم: حياة.
[19484]:ساقطة من الأصل وم.
[19485]:في الأصل وم: حيث.