تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰٓؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

وقوله تعالى : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه } الآية . يحتمل أن يكون هذا القول لم يكن من الفريقين جميعا ، ولكن ما كان من أحد الفريقين هذا ، ومن الفريق الآخر غيره ، وكان قوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } [ البقرة : 111 ] كأن هذا القول كان [ من ] كل فريق نفى دخول الفريق الآخر الجنة لا أن قالوا جميعا { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } .

ويحتمل أن كان من النصارى { نحن أبناء الله } لما ذكر في بعض القصة أن عيسى ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، قال لقومه : «أدعوكم إلى أبي وأبيكم الذي في السماء » فقالوا عند ذلك { نحن أبناء الله } وكان من اليهود [ قولهم ] : «نحن أحباء الله » .

ويحتمل أن يكون هذا القول كله منهم جميعا ؛ قال كل واحد من الفريقين { نحن أبناء الله وأحباؤه } .

وقيل : إنهم قالوا ذلك في المنزلة /126-ب/ والقدر عند الله تعالى ؛ أي لهم عند الله من المنزلة والقدر كقدر الولد عند والده ومنزلته عنده ، ولا يعذبنا . فقال : { قل } يا محمد { فلم يعذبكم بذنوبكم } إن كان ما تقولون حقا ، { فلم يعذبكم } حين جعل القردة والخنازير ، ولا أحد من الخلق يحتمل قلبه أن يكون ولده أو صديقه قردا أو خنزيرا . وقال : لا أحد يحتمل قلبه تعذيب ولده و حبه بذنبه بالنار ، وقد أقررتم أنكم تعذبون في الآخرة قدر ما عبد آباؤكم العجل .

ثم قال : { بل أنتم بشر ممن خلق } أي من اتخذ ولدا وحبا [ فإنما يتخذه ] من شكله وجنسه فالله تعالى إنما خلقكم من بشر كغيركم من الخلق ، وأنتم وهم في ذلك سواء ، فكيف خصصتم أنفسكم بذلك ؟ وقوله تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } [ المائدة : 17 ] دليل أن من رفع أحدا من الرسل فوق قدره [ فهو ] في الكفر كمن حط عن قدره ومرتبته .

وقوله تعالى : { يغفر لمن يشاء } أي من تاب ، وأسلم { ويعذب من يشاء } من دام على الكفر ، ومات عليه .

وقوله تعالى : { ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما } أي كلهم عبيده وإماؤه وخلقه ؛ يعظم نفسه عن قولهم : { نحن أبناء الله وأحباؤه } ولا أحد يتخذ عبده ولدا ولا حبا ، فأنتم إذا أقررتم أنكم عبيده كيف ادعيتم البنوة والمحبة ؟ والله أعلم .

وفي الآية دلالة رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم قالوا قولا في ما بينهم ، ثم أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله .