تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

وقوله تعالى : { ومن الذين قالوا إنا نصارى } أي كانوا أنصار الله ، فقالوا : بل نكون نصارى .

وقوله تعالى : { إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به } ما من أحد إلا وقد أخذ الله عز وجل عليه العهد والميثاق . وقد أخذ الميثاق على المؤمنين بقوله تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به } الآية [ المائدة : 7 ] وأخذ الميثاق على اليهود بقوله تعالى : { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل } الآية [ المائدة : 12 ] . وأخبر أيضا أنه قد أخذ الميثاق على النصارى في هذه الآية بقوله تعالى : { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم } وقد تقدم ذكر الميثاق ومعناه في غير موضع .

وقوله تعالى : { فنسوا حظا مما ذكروا به } يحتمل هذا وجهين :

يحتمل أي تركوا حظهم مما أمروا به من توحيد الله والإيمان بالرسل كلهم والتمسك بكتاب /126-أ/ الله تعالى والوفاء بالعهود التي عهدت إليهم ، فتركوا ذلك كله ، وضيعوا .

ويحتمل { فنسوا حظا مما ذكروا به } أي لم يحفظوا ما وعظوا .

وقوله تعالى : { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } قيل :

أغرينا ألقينا { بينهم العداوة والبغضاء } قال الحسن : من حِكم الله تعالى أن يلقي بينهم العداوة والبغضاء ، ويجعل قلوبهم قاسية ، ومن حِكمه أن يكون بين المسلمين رأفة ورحمة .

وقال بعض المعتزلة : قوله تعالى : { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } أي خذلناهم ، وتركناهم . لكن هذا كله منهم احتيال وفرار عما يلزمهم من سوء القول وقبحه ، فيقال لهم : إن شئتم جعلتم خذلانا ، وإن شئتم تركا جعلتم ما شئتم .

ولكن هل كان من الله في ذلك صنع ، أو أضاف ذلك إلى نفسه ؟ ولا فعل له في ذلك ، ولا صنع له في ذلك . وذلك الحرف على غير إثبات الفعل فيه أو شيء حرف ذم ، لا يجوز أن يضيف ذلك إلى نفسه ، ولا فعل له في ذلك ولا صنع ، فدل أن له فيه صنعا ، وهو ما ذكرنا : أن خلق ذلك منهم . وكذلك في ما أضاف إلى نفسه [ من جعل ] الرأفة والرحمة في قلوب المؤمنين . فلو لم يكن له في ذلك صنع لكان لا يضيف ذلك إلى نفسه ، وذلك الحرف حرف الحمد والمدح .

فدل أن له فيه صنعا ، وهو أن خلق الرأفة والرحمة في قلوب المؤمنين وخلق القساوة والعداوة في قلوب أولئك الكفرة ، وبالله التوفيق .

وفي الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر أنه ألقى { بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } وأخبر ألا { تزال تطلع على خائنة منهم } [ المائدة : 13 ] وكان كما قال على علم منهم أنه لا [ يزال ] يطلع على ما في قلوبهم من الخيانة والقساوة وغير ذلك من الأمور . فدل أنه بالله علم ذلك .

وقوله تعالى : { وسوف ينبئهم الله } في الآخرة { بما كانوا يصنعون } في الدنيا ، وهو قول ابن عباس .