تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (2)

الآية 2 وقوله تعالى : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر }[ قيل : ]{[20870]} هم بنو قريظة ، و قال جماعة{[20871]} من المفسرين : هم بنو النضير ، وهو أقرب .

ثم المعنى /559- أ/ في إضافة الإخراج يخرج على وجهين :

أحدهما : أنه اضطرهم إلى الخروج ، فنسب الإخراج إليه كما قال الله عز وجل : { إذ أخرجه الذين كفروا } الآية [ التوبة : 40 ] .

والثاني : أنه خلق الخروج من ديارهم منهم ، فأضيف إليه بحكم الخلق .

ثم الأصل في إضافة الفعل إلى الله تعالى أنه يجوز أن يضاف إليه على التحقيق وعلى التسبيب : فأما [ إضافة الفعل إلى ]{[20872]} الخلق فلما يضاف الفعل إليهم على جهة التسبيب لا على التمكين ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لأول الحشر } اختلفوا فيه ؛ قال بعضهم : أول الحشر الجلاء إلى الشام ، والحشر الثاني : حشر القيامة . وقال بعضهم : أول الحشر ، هو حشر أهل الكتاب وجلاؤهم من جزيرة العرب ، والحشر الثاني حين أجلاهم عمر رضي الله عنه إلى الشام .

وقوله تعالى : { ما ظننتم أن يخرجوا } أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن تنتصروا منهم فضلا عن أن يخرجوا من ديارهم ، ولكن ذلك من لطف الله ومنته عليكم .

وقوله تعالى : { وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله } ولا يحتمل أن يتوهم أحد هذا . والمعنى في ذلك عندنا وجهان ، والله أعلم .

أحدهما : أنهم ظنوا أن الله تعالى حين{[20873]} آتاهم القوة والحصون لا يبلغ بهم حكمه المبلغ الذي يخرجون من ديارهم لأنهم كانوا أهل الكتاب ، وكانوا يزعمون أنهم أولى بالله من غيرهم كقوله تعالى : { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ويكون قوله : { من الله } أي بالله وبأمره كقوله تعالى : { له معاقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله } [ الرعد : 11 ] أي بأمر الله . فعلى ذلك [ { مانعتهم حصونهم }{[20874]} من الله ] أي بأمر الله . فعلى ذلك الأول .

والثاني : أنهم{[20875]} ظنوا أن حصونهم وقوتهم تمنعهم من أولياء الله أن يظهروا عليهم أو من دين الله أن يظهر فيهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } يعني أنه قذف في قلوبهم الرعب من حيث لم يحتسب المؤمن ولا الكافر ، لأن المسلمين لم يظنوا أن يقهروهم ، ويغلبوهم ، مع قلة عددهم وكثرة عدد أولئك .

وكذا لم يحتسب الكفرة أنهم مع قوتهم وقوة حصونهم يقهرون ، ويغلبون ، حتى من الله تعالى على المؤمنين . فإن قذف الرعب في قلوب الكفرة ، ذلك لطف عظيم من الله تعالى إلى المؤمنين والله أعلم .

ثم الأصل في ما خرج هذا المخرج من نحو قوله عز وجل { فأتى الله بنيانهم من القواعد } [ النحل : 26 ] ومن نحو قوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } [ الفجر : 22 ] ومن نحو قوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } [ البقرة 210 ] وما يشاكله أن يحمله على إحدى معان ثلاثة :

أحدها : أن يكون{[20876]} المراد إتيان آثار فعل الله تعالى ؛ ويجوز أن يضاف إليه سبيل إضافة حقيقة العمل كما يقال : الصلاة أمر الله ، ونحن نعلم أنها ليست بعين أمر الله ، لكنها أثر أمر الله تعالى ، وكذلك يقال : المطر رحمة الله تعالى ؛ يعني أثر رحمته . فكذلك إذا نزل بهم آثار حكم الله تعالى وتدبيره وفعله ، وهي العذاب جاز أن تضاف [ إليه آثار ]{[20877]} حقيقة الفعل ، والله أعلم .

والثاني : أن يقال : إن ما كان من هذه الأفعال موصولا بصلة فإنه يجوز أن يراد منه تلك الصلة ، وإنما نتكلم بإضافة{[20878]} هذا الفعل إليه مجازا على ما اعتاد الناس من أفعالهم إذا أرادوا{[20879]} أن يأتوها بأنفسهم .

وشرح ذلك وبيانه أنه قال : { فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم } وكذلك قوله تعالى : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب } وكذلك ما أشبهه من نحو قوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا }[ الفجر : 22 ] ومن [ نحو ]{[20880]} قوله تعالى : { ثم استوى إلى السماء }[ البقرة : 29 وفصلت : 11 ] أي استوى تدبيره من حيث وصل منافع الأرض بمنافع السماء ، وكذلك ما أشبه هذا ، والله أعلم .

والثالث : يقول : إن هذه أسماء مشتركة المعنى . وما كان سبيله هذا السبيل جاز أن يضاف إلى الله تعالى على معنى ليس يقع فيه الاشتراك بالمخلوقين .

ألا ترى أنه يقال : جاء الليل ، وذهب النهار ونحو ذلك على معنى الظهور ونحوه ؟ .

وقوله تعالى { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } هذا يدل على أن الملك للمسلمين في أموال أهل الحرب ، ليس يقع بمجرد الغلبة ما لم يكن ثم أسر لأنه أخبر أن المؤمنين كانوا يخربون بيوتهم ؛ أضاف الملك إلى الكفرة مع أن الغلبة للمسلمين .

قوله تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار }فإنكم إذا اعتبرتم علمتم أن الله من عليكم حين{[20881]} أخرج الكفار من ديارهم ؛ فإنه لم يكن ذلك بقوّتكم .

ويحتمل أن يكون المعنى فيه { فاعتبروا يا أولي الأبصار } من أهل الكفار فإن ذلك يدلكم ، ويعرفكم ، أن اتفاقكم على النفرة على النبي صلى الله عليه وسلم لا يغنيكم كما لم يغن هؤلاء الذين خرجوا إلى مكة ، واتفقوا مع المشركين ، ثم لم يغنيهم ، والله أعلم .


[20870]:ساقطة من الأصل و م.
[20871]:في الأصل و م: غيره.
[20872]:ساقطة من الأصل و م.
[20873]:في الأصل و م: حيث
[20874]:في الأصل و م: يحفظونه.
[20875]:في الأصل و م: أي.
[20876]:في الأصل و م: يقول.
[20877]:من نسخة الحرم المكي، في م: إضافة، ساقطة من الأصل.
[20878]:من م، في الأصل: بالإضافة.
[20879]:في الأصل و م: أردوها.
[20880]:ساقطة من الأصل و م.
[20881]:في الأصل و م: حيث.