الآية 121 وقوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله } قال بعضهم : هو الميتة ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وقال بعضهم : هو ما { أهل به لغير الله } [ البقرة : 173و . . . ] .
وقلنا نحن : هو ما { لم يذكر اسم الله عليه } لأن الله قد صرح بتحريم الميتة بقوله : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما } [ المائدة : 3 ] وصرح به بتحريم ما { أهل به لغير الله } بقوله : { وما أهل به لغير الله } [ البقرة : 173 و . . ] تصريحا{[7700]} في غير هذا الموضع [ إذ ]{[7701]} رجع هذا الخطاب إلى تحريم ما { لم يذكر اسم الله عليه } .
وكذلك صرح بتحريم الميتة وما أهل به لغير الله بقوله تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما } [ الأنعام : 145 ] كان لا يجد في ذلك الوقت ، ثم وجد ما { لم يذكر اسم الله عليه } محرما في حادث الوقت . وكذلك وجد{[7702]} كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير محرما في حادث الوقت . كان لا يجد في تلك{[7703]} الأوقات محرما إلا ما ذكر ، ثم وجد أشياء محرمة من بعد .
وقال بعضهم من أهل التأويل : وقوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } حين قالوا : ما قتلتم ، وذبحتم أنتم ، فتأكلونه ، وما قتل ربكم فتحرمونه ، وأنتم تعظمون ربكم ، وهو من زخرف [ القول ]{[7704]} الذي يوحي بعضهم إلى بعض وما ذكروا أن { الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } .
أحدها : ]{[7705]} أن ما ذبح ، وقتل ، ذبيح الله وقتيل به أيضا ، فقد أذن لنا بأكل بعض الذبيح ، وحرم أكل بعض . ولله أن يفعل ذلك ؛ له أن يأذن في أكل بعض وتحريم أكل بعض على ما أذن لنا في أكل بعض ما خلق لنا من الأنعام ، ولم يأذن في أكل بعض . فعلى ذلك قد أذن في أكل بعض ما ذبح به ، وقتل ، ولم يأذن في بعض . وهو كله ذبيح بالله وقتيل له ، وله ذلك .
والثاني : أن الخلق كله له ملكه ، ولا يقال لأحد في ملكه : لم فعلت ذا ؟ ولم تفعل ذا ؟ إنما يقال ذلك في غير ملكه كشريك يقول لشريكه : لم تعطني حقي ، ولم توفر علي نصيبي ، فأما أن يقول : لي{[7706]} ملك في ملكه فلا .
والثالث : ما ذكرنا أن{[7707]} تعبدنا بذكر اسم الله عليه عبادة ، لذلك لم يجز هذا .
وقوله تعالى : { وإنه لفسق } أخبر أن{[7708]} ما { لم يذكر اسم الله عليه } فسق كما أخبر أن التناول من الميتة { وما أهل به لغير الله } البقرة : 173 و . . ] فسق ، والفسق هو الخروج عن أمر الله . والذي ترك ذكر اسم الله عليه خارج عن أمر الله تعالى كالميتة التي ذكرنا .
فإن قال قائل : إن قول الله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فكيف يجوز لكم أن تطلقوا أكل الذبيحة إذا ترك ذكر اسم الله ناسيا ؟ لأن الذبائح إنما هي من عمل القصابين والصبيان ؛ فهم لم يعودوا أنفسهم ذكر اسم الله حتى يؤاخذوا{[7709]} بها على حفظ ذلك .
وهذا أصلنا : أن [ من ]{[7710]} لم يعود نفسه فعلا يعذر في تركه ، وارتكابه في حال السهو والنسيان كالأكل في شهر رمضان ناسيا ؛ لأنه عود نفسه الأكل والشرب ، والصوم هو الكف عما اعتاد ، فعذر في التناول منه والعود إلى العادة على السهو ؛ لأنه يشتد على الناس حفظ النفس على خلاف العادة ، ولأن الله تعالى قال : { وإنه لفسق } ولا خلاف في أن من نسي أن يسمي الله على ذبيحة فليس بفاسق ، وإنما يفسق من تركها عامدا . فدل أن الخطاب بالآية رجع إلى الذبيحة التي تركت التسمية عمدا .
فإن قيل : ليس يجوز أن يكون قوله تعالى : { وإنه لفسق } يريد به أن الذي يأكل منها إذا لم يسم الله عليها عامدا أو ساهيا فاسق ، وإن كان هذا هو التأويل فالآية على الأكل .
قيل : الدليل على أن قوله تعالى : { وإنه لفسق } إشارة إلى الذبيح الذي ترك ذكر اسم الله عليه عمدا دون أن يكون ذلك إشارة إلى أن الأكل من تلك الذبيحة فسق قول الله تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } [ الأنعام : 145 ] فكان الإهلال بالذبيحة لغير الله فسقا لمن فعله فواجب أن يكون ترك اسم الله على الذبيحة فسقا ممن تعمده ، وذلك يوجب أن يكون قول الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } خاصا في المتعمد لقوله التسمية .
[ فإن قيل ]{[7711]} : كيف لم يجعلوا تارك التسمية ناسيا كتاركها عامدا كما قلتم في التكبيرة الأولى في الصلاة : إن عمده وسهوه سواء . قيل : من قال{[7712]} : إن الذبيحة إذا تعمد صاحبها ترك التسمية عليها إنما حرمت بنص القرآن ؛ لأنه فسق ، فقلنا : متى زال الفسق عن الذابح زال التحريم عن الذبيحة ؛ لأن التحريم إذا وقع لعلة ، فزالت العلة ، زال التحريم . ولم نقل : إن صلاة [ تارك التكبيرة الأولى فاسدة ]{[7713]} ؛ لأنه فسق بتركه{[7714]} التكبيرة عامدا ، فيلزمنا أن نفرق بين سهوها وعمدها ، بل فسدت صلاته صلى بغير تكبير . فالتارك التكبير عامدا أو ساهيا تارك ، فهما سواء .
وروي في الخبر ما يؤيد ما قلنا : روي عن راشد بن سد [ أنه ]{[7715]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذبيحة المسلم حلال ، سمى ، أو لم يسم ، ما لم يتعمد ) [ البيهقي في الكبرى 9/ 240 ] وعن ابن عباس رضي الله عنه : في رجل ، ذبح ، ونسي أن يذكر اسم الله [ أنه ]{[7716]} ، قال : اسم الله في قلب كل مسلم ، فليأكل .
وقوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } أهل التأويل صرفوا تأويل هذا إلى أن زخرف القول الذي يوحي بعضهم إلى بعض في الآية الأولى هو مجادلتهم في الذبيحة حين{[7717]} قالوا : { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون } [ المؤمنون/ 82 و . . ] فأخبر أنهم لو أطاعوهم إنهم لمشركون ؛ أي لو أطعتموهم في ما يجادلونكم ، ويوحون إليكم{[7718]} { إنكم لمشركون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.