الآية 156 وقوله تعالى : { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } يحتمل الإيجاب : أي أوجب { لنا في هذه الدنيا حسنة } . وقال بعضهم : قوله تعالى : { واكتب لنا } أي وفّق لنا العمل الذي نستوجب به الحسنة في الدنيا والآخرة .
ويحتمل { واكتب لنا } في الدنيا الحسنات ، ولا تكتب علينا السيئات ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { في هذه الدنيا } تختم بها الدنيا ، وتنقضي بها . وإلا ما من مسلم إلا وله في الدنيا حسنة آتاها إياه . وعلى ذلك يخرّج قوله تعالى : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } [ البقرة : 201 ] لأنهم إنما سألوا حسنة أن يختموا{[9008]} عليها ، ويكون كقوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله } [ الأنعام : 120 ] كذا . والله أعلم بذلك .
وقوله تعالى : { إنا هدنا إليك } قال بعضهم : قوله : { هدنا إليك } أي ملنا إليك ، وقال غيرهم : { إنا هدنا إليك } أي تبنا إليك . وقيل : ولذلك سمىّ{[9009]} اليهود أنفسهم يهودا ؛ أي تائبين إلى الله . لكن لو كان كما ذكر كان قوله تعالى : { ما كان إبراهيم يهوديا } [ آل عمران : 67 ] أي تائبا ، وذلك بعيد ، ولكن ، إن كانوا سمّوا ، فهو ، والله أعلم ، { ما كان إبراهيم يهوديا } أي لم يكن على المذهب الذي عليه اليهود { ولا نصرانيا } وكذلك لم يكن على المذهب الذي ادّعت النصارى أنه كان عليه { ولكن كان حنيفا مسلما } [ آل عمران : 67 ] .
وقوله تعالى : { قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء } قال الحسن : يشاء أن يصيب عذابه من كفر بالله ، وكذّب رسوله ، وشاء من أطاع الله ، وصدّق رسله ، أن يصيب رحمته .
ودل قوله تعالى : { عذابي أصيب به من أشاء } أنه لما شاء العمل والفعل الذي كان به يصيبهم ؛ لأن حرف من إنما يعبّر به عن بني آدم ، ولا جائز أن يشاء لهم الإيمان ، ثم يشاء لهم أن يصيبهم عذابه . ولكن إن علم منهم أنهم لا يؤمنون ، ويختارون فعل الضلال على فعل الهدى ، شاء لهم ما اختاروا .
وقوله تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء } ما من أحد من مسلم وكافر إلا وعليه من آثار رحمته في هذه الدنيا ؛ بها يتعيّشون ، ويؤاخون ، ويوادّون ، وفيها ينقلبون . لكنها{[9010]} للمؤمنين خاصة في الآخرة ، لا حظ للكافر فيها . وذلك قوله تعالى : { فسأكتبها للذين يتّقون } معصية الله { ويؤتون الزكاة } وكقوله تعالى : { قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } [ الأعراف : 32 ] .
جعل طيّبات الحياة الدنيا ونعمها{[9011]} مشتركة بين المسلم والكافر خالصة للذين آمنوا يوم القيامة ، لا حظ للكافر فيها . فعلى ذلك رحمته نالت كل أحد في هذه الدنيا ، لكنها للذين آمنوا ، واتقوا الشرك ، خاصة في الآخرة .
ويحتمل قوله تعالى ، والله أعلم ، { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } أنهم إنما سألوا الرحمة ، فقال : { فسأكتبها للذين يتّقون } معاصي الله /187-ب/ ومخالفته ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ويؤتون } يحتمل { ويؤتون الزكاة } المعروفة ، ويحتمل تزكية النفس كقوله { قد أفلح من زكّاها } { وقد خاب من دسّاها } [ الشمس : 9و10 ] ومعلوم أنه لم يرد به زكاة المال ، ولكن زكاة النفس بالتوحيد والتقوى ، وكذلك قوله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا } [ النور : 21 ] ، هو تلك الزكاة ، لا الزكاة المعروفة زكاة المال . فعلى ذلك الأول ، والله اعلم .
وإن كان على الزكاة المعروفة فذلك في قوم ، ثقل عليهم ، واشتد إخراج الزكاة من أموالهم كقوله تعالى : { الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة [ هم كافرون } ]{[9012]} [ فصلت : 7 ] .
وقوله تعالى : { والذين هم بآياتنا يؤمنون } قد ذكرنا في غير موضع أن من آمن بآيات الله ، وصدّقها ، فقد آمن بالله وبرسوله ، ومن كذّب [ بآياته كذّب ]{[9013]} بالله ، وخالف رسله ؛ لأن طريق معرفة الله ورسله إنما هو من طريق الآيات والحجج ، ليس من طريق المشاهدات والمحسوسات . لذلك كان الإيمان بالآيات إيمانا بالله وبرسله ، وبالتكذيب بها كفر بالله ورسله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.