تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

الآية 156 وقوله تعالى : { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } يحتمل الإيجاب : أي أوجب { لنا في هذه الدنيا حسنة } . وقال بعضهم : قوله تعالى : { واكتب لنا } أي وفّق لنا العمل الذي نستوجب به الحسنة في الدنيا والآخرة .

ويحتمل { واكتب لنا } في الدنيا الحسنات ، ولا تكتب علينا السيئات ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { في هذه الدنيا } تختم بها الدنيا ، وتنقضي بها . وإلا ما من مسلم إلا وله في الدنيا حسنة آتاها إياه . وعلى ذلك يخرّج قوله تعالى : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } [ البقرة : 201 ] لأنهم إنما سألوا حسنة أن يختموا{[9008]} عليها ، ويكون كقوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله } [ الأنعام : 120 ] كذا . والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { إنا هدنا إليك } قال بعضهم : قوله : { هدنا إليك } أي ملنا إليك ، وقال غيرهم : { إنا هدنا إليك } أي تبنا إليك . وقيل : ولذلك سمىّ{[9009]} اليهود أنفسهم يهودا ؛ أي تائبين إلى الله . لكن لو كان كما ذكر كان قوله تعالى : { ما كان إبراهيم يهوديا } [ آل عمران : 67 ] أي تائبا ، وذلك بعيد ، ولكن ، إن كانوا سمّوا ، فهو ، والله أعلم ، { ما كان إبراهيم يهوديا } أي لم يكن على المذهب الذي عليه اليهود { ولا نصرانيا } وكذلك لم يكن على المذهب الذي ادّعت النصارى أنه كان عليه { ولكن كان حنيفا مسلما } [ آل عمران : 67 ] .

وقوله تعالى : { قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء } قال الحسن : يشاء أن يصيب عذابه من كفر بالله ، وكذّب رسوله ، وشاء من أطاع الله ، وصدّق رسله ، أن يصيب رحمته .

ودل قوله تعالى : { عذابي أصيب به من أشاء } أنه لما شاء العمل والفعل الذي كان به يصيبهم ؛ لأن حرف من إنما يعبّر به عن بني آدم ، ولا جائز أن يشاء لهم الإيمان ، ثم يشاء لهم أن يصيبهم عذابه . ولكن إن علم منهم أنهم لا يؤمنون ، ويختارون فعل الضلال على فعل الهدى ، شاء لهم ما اختاروا .

وقوله تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء } ما من أحد من مسلم وكافر إلا وعليه من آثار رحمته في هذه الدنيا ؛ بها يتعيّشون ، ويؤاخون ، ويوادّون ، وفيها ينقلبون . لكنها{[9010]} للمؤمنين خاصة في الآخرة ، لا حظ للكافر فيها . وذلك قوله تعالى : { فسأكتبها للذين يتّقون } معصية الله { ويؤتون الزكاة } وكقوله تعالى : { قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } [ الأعراف : 32 ] .

جعل طيّبات الحياة الدنيا ونعمها{[9011]} مشتركة بين المسلم والكافر خالصة للذين آمنوا يوم القيامة ، لا حظ للكافر فيها . فعلى ذلك رحمته نالت كل أحد في هذه الدنيا ، لكنها للذين آمنوا ، واتقوا الشرك ، خاصة في الآخرة .

ويحتمل قوله تعالى ، والله أعلم ، { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } أنهم إنما سألوا الرحمة ، فقال : { فسأكتبها للذين يتّقون } معاصي الله /187-ب/ ومخالفته ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويؤتون } يحتمل { ويؤتون الزكاة } المعروفة ، ويحتمل تزكية النفس كقوله { قد أفلح من زكّاها } { وقد خاب من دسّاها } [ الشمس : 9و10 ] ومعلوم أنه لم يرد به زكاة المال ، ولكن زكاة النفس بالتوحيد والتقوى ، وكذلك قوله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا } [ النور : 21 ] ، هو تلك الزكاة ، لا الزكاة المعروفة زكاة المال . فعلى ذلك الأول ، والله اعلم .

وإن كان على الزكاة المعروفة فذلك في قوم ، ثقل عليهم ، واشتد إخراج الزكاة من أموالهم كقوله تعالى : { الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة [ هم كافرون } ]{[9012]} [ فصلت : 7 ] .

وقوله تعالى : { والذين هم بآياتنا يؤمنون } قد ذكرنا في غير موضع أن من آمن بآيات الله ، وصدّقها ، فقد آمن بالله وبرسوله ، ومن كذّب [ بآياته كذّب ]{[9013]} بالله ، وخالف رسله ؛ لأن طريق معرفة الله ورسله إنما هو من طريق الآيات والحجج ، ليس من طريق المشاهدات والمحسوسات . لذلك كان الإيمان بالآيات إيمانا بالله وبرسله ، وبالتكذيب بها كفر بالله ورسله .


[9008]:في الأصل وم: يختمون.
[9009]:في الأصل وم: سميت.
[9010]:من م، في الأصل: لكنا.
[9011]:في الأصل وم: ونعيمها.
[9012]:أدرج بدلها في الأصل وم: كذا.
[9013]:من م، ساقطة من الأصل.