تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (199)

الآية 199 وقوله تعالى : { خذ العفو } يتوجّه وجهين :

أحدهما : على حقيقة الأخذ .

والثاني : على العمل بالعفو .

فإن كان على الأخذ فهو على وجهين :

[ أحدهما ]{[9258]} : يحتمل أن خذ الفضل الذي لا حق فيه ، وهو القليل من ذلك واليسير .

والثاني : أن خذ ما يفضل من أنفسهم وحوائجهم من غير مسألة ؛ أي اقبل منهم ما أعطوك ، ولا تلحّ في المسألة كقوله تعالى : { ولا يسألكم أموالكم } { إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا } الآية [ محمد : 36و37 ] أخبر إن يسألهم أموالهم حملهم ذلك على البخل .

وإن كان على العمل فهو على وجوه : أي اعف عن الظلمة عن ظلمهم ، أعرض عن السفهاء ، واحلم معهم .

أمر رسول الله أن يعامل الخلق بأشياء ثلاثة : أن يعفو عن الظلمة عن ظلمهم : لا تكافئهم بظلمهم ، وأمر أن يعرض عن السفهاء والجهّال ، ويحلم معهم ، وأمر أن يعامل المؤمنين{[9259]} باللين والرفق ، ولذلك{[9260]} وصفه بالرحمة بقوله تعالى { بالمؤمنين رءوف رحيم } [ التوبة : 128 ] .

وروي عن عبد الله بن الزبير [ أنه ]{[9261]} قال : { خذ العفو وأمر بالمعروف } خلق{[9262]} حسن ؛ ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس [ وعن قتادة : [ أنه قال ]{[9263]} { خذ العفو وأمر بالعرف } ]{[9264]} خلق{[9265]} حسن ، أمر الله نبيه ، ودعاه إليه . إلى هذا ذهب بعض أهل التأويل ، وإلى ذلك صرف تأويل الآية .

وقال بعضهم : هو أخذ الفضل من المال على ما ذكرنا ، فهو منسوخ بآية الزكاة .

وروي في حرف ابن مسعود وأبيّ[ بن كعب ]{[9266]} : { خذ العفو وأمر بالعرف } وانه عن المنكر { وأعرض عن الجاهلين } وفيه دلالة أنه أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمعروف هو اسم كل خير ، وأمره بأن يأخذ بالعفو عن الظلمة على ما ذكرنا . وكذلك روي عن عائشة [ أنها ]{[9267]} قالت : ( كان رجل يشتم رسول الله ، ويؤذيه ، فدخل على رسول الله ، فأوسع له ، وأدناه ، ورحّب به . قالت : يا رسول الله أليس هذا كان يشتمك ؟ قال : بلى يا عائشة إن من شرار الناس الذين يكرمون اتّقاء شرّهم وألسنتهم ) [ البخاري : 6032 ] إلى مثل هذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو{[9268]} والصفح عن الظلمة وترك المكافآت .

وقوله تعالى : { وأمر بالعرف } أي أمر الناس بالعرف ، وهو ما تشهد خلقتك ، وتأمرك به أشياء ثلاثة : اثنان في ما بينه وبين ربه ، والواحد في ما بينه وبين الناس .

أما الاثنان اللذان في ما بينه وبين ربه :

فأحدهما{[9269]} : يأمر خلقته ، وتشهد على وحدانية الله ، وتدل{[9270]} على ألوهيته .

والثاني : يشهد على نعم الله إليه ، فيدعوه إلى الشكر له في ما أنعم الله عليه .

وأما الوجه الذي يدعو خلقته في ما بينه وبين الناس فهو{[9271]} ما يرغّب نفسه في كل [ ما هو حسن ]{[9272]} ومرغوب فيه ، وينفّر نفسه عن كل أذى وسوء .

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعامل الخلق بما ترغب نفسه ، وتطمع{[9273]} في [ ما هو حسن ]{[9274]} ، وتنفر عنه ، وتكرهه{[9275]} ، يفعل إليهم كل ما ترغب نفسه فيه ، وتطمع ، ويمتنع عن كل أذى وسوء ، والله أعلم .


[9258]:ساقطة من الأصل وم.
[9259]:من م، في الأصل: المؤمنون.
[9260]:في الأصل وم: وكذلك.
[9261]:ساقطة من الأصل وم.
[9262]:أدرج قبلها في الأصل وم: قال.
[9263]:ساقطة من م.
[9264]:من م، ساقطة من الأصل.
[9265]:أدرج قبلها في الأصل وم: قال.
[9266]:ساقطة من الأصل وم.
[9267]:ساقطة من الأصل وم.
[9268]:في الأصل وم: بالعفو.
[9269]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[9270]:في الأصل وم: والدلالة.
[9271]:الفاء ساقطة من الأصل وم.
[9272]:في الأصل وم: محاسن.
[9273]:في الأصل وم: وطمع.
[9274]:في الأصل وم: المحاسن.
[9275]:في الأصل وم: ونكره.