اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} (18)

{ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } : يجوز أن يكون استئناف تعليل لقوله تعالى : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } ، ويجوز أن يكون بدلاً من { إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً } .

يقال : فكر في الأمر ، وتفكر إذا نظر فيه وتدبر ، ثم لما تفكر رتب في قلبه كلاماً وهيأه ، وهو المراد من قوله «وقَدَّرَ » .

والعرب تقول : قدرت الشيء إذا هيأته .

فصل في معنى الآية

معنى الآية : أن الوليد فكر في شأن النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن لما نزل :{ حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِي الطول لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير } [ غافر : 1 - 3 ] ، سمعه الوليد يقرأها ، فقال : والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجنِّ ، وإنَّ له لحلاوة ، وإنَّ عليه لطلاوة ، وإنَّ أعلاه لمثمر ، وإنَّ أسفله لمغدق وإنه ليعلو ، وما يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر ، فقالت قريش : صبأ الوليد لتصبونَّ قريش كلها ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه فانطلق إليه حزيناً ، فقال له : ما لي أراك حزيناً ، فقال : وما لي لا أحزن ، وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينوك بها ، ويزعمون أنك زينت كلام محمدٍ ، وتدخل على ابن أبي كبشة ، وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما ، فغضب الوليدُ - لعنهُ الله - وتكبَّر ، وقال : أنا أحتاجُ إلى كسرِ محمدٍ وصاحبه ، وأنتم تعلمون قدر مالي ، واللاتِ والعُزَّى ما بي حاجةٌ إلى ذلك وأنتم تزعمُون أن محمداً مجنون ، فهل رأيتموه قط يخنق ؟ .

قالوا : لا والله ، قال : وتزعمون أنه كاهنٌ ، فهل رأيتموه تكهن قط ؟ ولقد رأينا للكهنةِ أسجاعاً وتخالجاً ، فهل رأيتموهُ كذلك ؟ .

قالوا : لا والله . وقال : تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه نطق بشعر قط ؟ قالوا : لا والله .

قال : وتزعمون أنه كذَّاب ، فهل جريتمْ عليه كذباً قط ؟ .

قالوا : لا والله . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُسمَّى الصادق والأمين من كثرة صدقه ، فقالت قريش للوليدِ : فما هو ؟ ففكّر في نفسه ثم نظر ثم عبس ، فقال : ما هذا إلا سحرٌّ أما رأيتموه يفرق بين الرجل وولده فذلك قوله تعالى : { إِنَّهُ فَكَّرَ } أي في أمر محمدٍ والقرآن «وقدر » في نفسه ماذا يمكنهُ أن يقول فيهما .