تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

وقوله تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) قال بعضهم : ( لا ) صلة زائدة ؛ كأنه قال : /198-أ/ ( واتقوا فتنة ) تصيب[ في الأصل وم : تصيبن ] ( الذين ظلموا منكم خاصة ) أي اتقوا فتنة الذين تصيب الظلمة منكم بظلمهم ، وهو العذاب كقوله تعالى : ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين )[ آل عمران : 131 ] فعلى ذلك قوله ( واتقوا فتنة ) تصيب[ في الأصل وم : تصيبن ] ( الذين ظلموا ) في الآخرة ، وهو العذاب . وذلك جائز في الكلام ، نحو ما قرأ بعضهم قوله ( وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون )[ الأنعام : 109 ] بكسر الألف وطرح ( لا )[ إنها إذا جاءت يؤمنون ][ من م ، ساقطة من الأصل ، انظر معجم القراءات القرآنية ج2/308 وحجة القراءات ص265 ] أي إنها وإن جاءت لا يؤمنون .

وأما على إثبات ( لا ) فإنه يحتمل وجوها .

قيل : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا ) أي اتقوا أن تكونوا فتنة للذين ظلموا كقوله تعالى : ( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) لئلا يقولوا : لو كانوا على حق ما غلبوا ، ولا قهروا ولا انتصروا منهم .

وقيل : قوله تعالى : ( واتقو فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم ) نهى الأتباع منهم ألا يسعوا[ في الأصل وم : يسمعون ] في ما بين الظلمة بالفساد ، ولا يغري بعضهم على بعض ، فيقع في ما بينهم الفساد ، فيكون هؤلاء الأتباع فتنة للذين ظلموا بإغراء بعضهم على بعض . وذلك معروف في ما بين الخلق في الظلمة ، يغري بالأتباع بعضهم على بعض ، فذلك فتنة .

ويحتمل وجها آخر ؛ هو أن الله تعالى يغير الأحوال في الخلق مرة سعة وخصبا ومرة قحطا وضيقا ومرة غلبة للعدو[ في الأصل وم : العدو ] على الأولياء ، ونحوه .

ويدفع العذاب عن الظلمة بمن لم يظلم ما لم يشاركوا الظلمة . فإذا شاركوا أولئك يحل بأولئك [ العذاب ][ ساقطة من الأصل وم ] بظلمهم وأهل الصلاح والعدل بتركهم الظلمة وأهل الفساد[ أدرج بعدها في الأصل : عن الظلم والفساد ] ، ولهم قوة المنع لهم عن ذلك . فيقول ( لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) ولكن تصيبهم ، وتصيبكم ، فقال : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين منكم ) أخذ الظلمة بالعذاب لمشاركة أهل العدل أولئك ، فيكونون فتنة لهم كقوله تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )[ البقرة : 251 ] ، أي[ في الأصل وم : أو أن ] يدفع عن الظلمة البلاء والعذاب ما دام أهل العدل يأمرونهم بالمعروف ويعيرونهم[ في الأصل وم : ويغيرون عليهم ] المنكر ، فإذا [ تركوهم ، وهم لا يعيِّرونهم ][ في الأصل وم : تركوا ولا يغيرون عليهم ] المنكر ، ترك بهم البلاء [ فيعمهم البلاء ][ من م ، ساقطة من الأصل ] الظالم وغيره .

والفتنة على وجهين ؛ فتنة الجزاء جزاء أعمالهم ، وذلك يأخذ أهله خاصة ، وفتنة المحنة وذلك يعم الخلق ، و الله أعلم .