تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (24)

وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) قال بعضهم : هذه الآية صلة قوله : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون )[ الأنفال : 5 ] يقول ، والله أعلم ( استجيبوا لله وللرسول ) إلى ما يدعوكم ، وإن كانت أنفسكم تكره الخروج لذلك لقلة عددكم وضعف أبدانكم وكثرة عدد العدو وقوتهم .

وقوله تعالى : ( إذا دعاكم لما يحييكم ) بالذكر والشرف والثناء الحسن في الدنيا والحياة في الآخرة اللذيذة الدائمة ، أي[ في الأصل وم : و ] إن متم ، وهلكتم في ما يدعوكم إليه ، يكن[ في الأصل وم : يكون ] لكم في الآخرة حياة الأبد .

ويحتمل أن تكون الآية في جملة المؤمنين ؛ أي ( استجيبوا لله ) في أموره ونواهيه ( وللرسول ) في ما يدعوكم إليه ؛ وإنما كان يدعو إلى دار الآخرة كقوله تعالى : ( والله يدعوا إلى دار السلام )[ يونس : 25 ] ودار الآخرة هي دار الحياة كقوله تعالى : ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )[ العنكبوت : 64 ] كأنه قال ، والله أعلم : ( استجيبوا لله وللرسول ) فإنه إنما دعاكم إلى ما تَحْيَون فيها ليس كالكافر الذي ( لا يموت فيها ولا يحيى )[ طه : 74 والأعلى : 13 ] بتركه الإجابة .

وقوله تعالى : ( واعلموا أن الله يحول ين المرء وقلبه ) أمكن أن يخرج هذا على الأول ؛ أي اعلموا ( أن الله يحول بين المرء وقلبه ) يجعل القوي ضعيفا والعزيز ذليلا والضعيف قويا والذليل عزيزا والشجاع جبانا والخائف أمينا والآمن خائفا . فأجيبوا الرسول بالخروج للجهاد . وإن كنتم تخافون لضعفكم وقوتهم .

ويحتمل في جملة المؤمنين : أن من استجاب لله وللرسول إذا دعاه يجعل قلبه هو الغالب على نفسه والحائل بينه وبين ما تدعو إليه [ النفس ، وإذا ترك الإجابة يجعل نفسه هي الحائلة بينه وبين ما يدعو إليه ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ، والداعية إلى ذلك ( وأنه إليه تحشرون ) وقيل : ( استجيبوا لله وللرسول ) بالطاعة في أمر القتال ( إذا دعاكم ) إلى الحرب ( لما يحييكم ) يعني بالحرب التي أعزكم الله يقول : أحياكم الله بعد الذل ، وقواكم بعد الضعف . وكان ذلك حياة .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) يخرج على وجهين : يحول بين قلب المؤمن [ وبين الكفر ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ويحول بين الكافر وبين الإيمان .

وقوله تعالى : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) يخرَّج على وجهين .

أحدهما : يستعجل التوبة قبل أن ينزل به الموت ، [ كأنه ][ ساقطة من الأصل وم ] يقول : أجيبوا الله والرسول قبل أن يحال بين المرء وبين التوبة بالموت .

والثاني : ( يحول بين المرء وقلبه ) بالأعمال التي يكتسبها ، ينشئ بالفعل[ في الأصل وم : الفعل ] الذي يفعله طبع قلبه وختمه ، وينشئ ظلمة تحول بينه وبين ما يقصده ، ويدعى إليه ، والله أعلم .