تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (19)

وقوله تعالى : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) الاستفتاح يحتمل وجوها ثلاثة : يحتمل الاستكشاف وطلب البيان ، ويكون طلب الحكم والقضاء بين الحق والباطل ؛ يقال : فتح بكذا أي حكم به ، وقضى فهو يخرج على وجهين : على طلب بيان المحق من المبطل وطلب بيان أحق الدينين بالنصر والحكم . فقد بين الله لهم أحق الدينين ما ذكر في القصة أن أبا جهل قال : اللهم اقض بيننا وبين محمد ، وقال : اللهم أينا كان أوصل للرحم وأرضى عنك فانصره . ففعل الله ذلك ، ونصر المؤمنين ، وهزم المشركين ، فنزلت هذه الآية .

وقيل : إنه دعا : اللهم انصر أعز الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين فكان ما ذكرنا . فقد بين الله عز وجل أحق الدينين وأعز الجندين لما هزم المشركين مع قوتهم وعدتهم وكثرة عددهم بفئة ضعيفة ذليلة قليلة العدد وضعيفة الأبدان والأسباب .

دل أنه قد بين لهم الأحق من غيره .

وقيل : إنهم استفتحوا بالعذاب ، وكان استفتاحهم ما ( قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )[ الأنفال : 32 ] فجاءهم العذاب يوم بدر ، وأخبرهم يوم أحد ( وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ) الآية . والاستفتاح هو ما ذكرنا .

قال الحسن : الفتح القضاء . وكذلك قال قتادة ؛ قالا[ في الأصل وم : قالوا ] : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ) القضاء في يوم بدر كقوله : ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) الآية[ الأعراف : 89 ] وقال /197-ب/ القتيبي : قوله تعالى ( إن تستفتحوا ) فاسألوا الفتح ، وهو النصر ( فقد جاءكم الفتح ) وهو ما ذكرنا .

وقوله تعالى : ( وإن تنتهوا فهو خير لكم ) يحتمل قوله : ( وإن تنتهوا ) عما كنتم ( فهو خير لكم ) يغفر لكم كقوله ( وإن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف )[ الأنفال : 38 ] وقيل : ( وإن تنتهوا ) عن قتال محمد ( فهو خير لكم ) من أن ينتهي محمد من قتالكم .

وقوله تعالى : ( وإن تعودوا نعد ) يحتمل ( وإن تعودوا ) إلى قتال محمد نعد إليكم من القتل والقتال والأسر والقهر . ويحتمل ( وإن تعودوا نعد ) إلى البيان والكشف إلى ما كنتم من قبل البيان من التكذيب والكفر لمحمد ، نعد إلى الانتقام والتعذيب كقوله ( ون يعودوا فقد مضت سنة الأولين )[ الأنفال : 38 ] .

وقوله تعالى : ( ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) بالنصر والمعونة . فإن قيل : ذكر أنه لن تغني عنكم فئتكم وكثرتكم ، وقد أغناهم كثرتهم وفئتهم يوم أحد حين[ في الأصل وم : حيث ] ذكر أن الهزيمة كانت على المؤمنين ، قيل : هذا لوجهين :

أحدهما : أن عاقبة الأمر كانت للمؤمنين ، وإن كانت[ في الأصل وم : كان ] في الابتداء عليهم فلن يغني عنهم ذلك على ما ذكر ، لأنه لو أغناهم ذلك لكان لهم الابتداء والعاقبة .

والثاني : أنه لم تكن النكبة والهزيمة على المؤمنين إلا لعصيان منهم كقوله : ( ولقد صدقكم الله وعده ) الآية[ آل عمران : 152 ] فما أصاب المؤمنين من النكبات إنما كان بسبب كان منهم لا بالعدو . لذلك كان الجواب ما ذكر[ في الأصل وم : ذكروا ] والله أعلم .