تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (17)

وقوله تعالى : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) قيل فيه بوجوه : يحتمل قوله : ( فلم تقتلوهم ) أي لم تكن جراحاتكم التي أصابتهم بمصيبة المقتل ، ولا عاملة في استخراج الروح ؛ ولا كانت قاتلة ، ولكن الله تعالى صيرها قاتلة مصيبة عاملة في استخراج الروح ؛ لأن من الجراحات ما إذا أصابت لم تصب المقتل ولا تعمل في استخراج الروح .

وقوله تعالى : ( فلم تقتلوهم ) الآية يخرج على وجوه :

أحدها : أن العبد لا صنع له في القتل واستخراج الروح منه ، إنما ذلك فعل الله ، وإليه ذلك ، وهو المالك لذلك ، لأن الضربة والجرح قد يكون ، ولا موت هنالك . وكذل الرمي ؛ ليس كل من أرسل شيئا من يده ، وقد[ في الأصل وم : وهو ] رمى ، إنما يصير رميا بالله ، إن شاء ، السهم حتى يصل بطبعه المبلغ الذي يبلغ ، فكأنه لا صنع له من الرمي . ألا ترى أنه لا يملك رد السهم إذا أرسله ، ولو كان فعله ملك رده ؟ ولهذا قال أبو حنيفة ، رحمه الله ، إن الاستئجار على القتل باطل .

والثاني : قتلوا بمعونة الله ونصره كما يقول الرجل لآخر : إنك لم تقتله ، وإنما قتله فلان ؛ أي بمعونة فلان قتله . فعلى ذلك الأول . وقوله تعالى : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) أي أصاب المقصد الذي قصدت ، ولكن الله بالغ ذلك المقصد الذي قصدت .

والثالث : [ في الأصل وم : والثاني ] ( فلم تقتلوهم ) أي لم تطمعوا بخروجكم إليهم قتلهم ؛ لأنهم كانوا بالمحل الذي وصفهم من الضعف وشدة الخوف والذلة ( كأنما يساقون إلى الموت )[ الأنفال : 6 ] فإذا كانوا بالمحل الذي ذكر ، فيقول ، والله أعلم : لم تطمعوا بخروجكم إليه وقصدكم إياهم قتلهم لما كان فيكم من الضعف وقوة أولئك ، ولكن الله أذلهم ، وألقى في قلوبهم الرعب والخوف حتى قتلوهم .

وكذلك قوله : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) لا يطمع الإنسان برمي كف من تراب النكبة بأعدائه ( ولكن الله رمى ) حيث بلغ ذلك ، غطى أبصارهم وأعينهم بذلك الكف من التراب على ما ذكر في القصة أنه رمى كفا من تراب ، فغشى أبصار المشركين ، فانهزموا لذلك .

ويحتمل أن تكون نسبة هذه الأفعال إلى نفسه وإضافتها إليه كما نسب ، وأضاف كل خير ومعروف إلى نفسه . من ذلك قوله تعالى : ( يمنون عليك أن أسلموا )الآية [ الحجرات : 17 ] وقوله تعالى : ( ولكن الله يهدي من يشاء )[ البقرة : 272 ] وقوله[ في الأصل وم ، وهو قوله ] تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم )[ الفاتحة : 6 ] وغير ذلك من الآيات التي فيها إضافة الأفعال التي خلصت إلى الله ، وصفت . فعلى ذلك نسب فعلهم إلى نفسه لخلوصه وصفاته .

وقوله تعالى : ( وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ) أي نعمة عظيمة حين [ في الأصل وم : حيث ) نصرهم على عدوهم مع ضعف أبدانهم وعدتهم ، وهو ما ذكر في هلاك فرعون وقومه أنه بلاء من ربكم عظيم بقوله تعالى : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم )[ البقرة : 49 ] فعلى ذلك هذا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إن الله سميع ) لدعائكم الذي دعوتم وتضرعكم الذي تضرعتم إليه ، وأن يقول : ( سميع ) ، أي مجيب لدعائكم ( عليم ) بأقوالكم وأفعالكم ( ما يسرون وما تعلنون )[ النحل : 19 و التغابن : 4 ] والله أعلم .