وقوله تعالى : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) قيل فيه بوجوه : يحتمل قوله : ( فلم تقتلوهم ) أي لم تكن جراحاتكم التي أصابتهم بمصيبة المقتل ، ولا عاملة في استخراج الروح ؛ ولا كانت قاتلة ، ولكن الله تعالى صيرها قاتلة مصيبة عاملة في استخراج الروح ؛ لأن من الجراحات ما إذا أصابت لم تصب المقتل ولا تعمل في استخراج الروح .
وقوله تعالى : ( فلم تقتلوهم ) الآية يخرج على وجوه :
أحدها : أن العبد لا صنع له في القتل واستخراج الروح منه ، إنما ذلك فعل الله ، وإليه ذلك ، وهو المالك لذلك ، لأن الضربة والجرح قد يكون ، ولا موت هنالك . وكذل الرمي ؛ ليس كل من أرسل شيئا من يده ، وقد[ في الأصل وم : وهو ] رمى ، إنما يصير رميا بالله ، إن شاء ، السهم حتى يصل بطبعه المبلغ الذي يبلغ ، فكأنه لا صنع له من الرمي . ألا ترى أنه لا يملك رد السهم إذا أرسله ، ولو كان فعله ملك رده ؟ ولهذا قال أبو حنيفة ، رحمه الله ، إن الاستئجار على القتل باطل .
والثاني : قتلوا بمعونة الله ونصره كما يقول الرجل لآخر : إنك لم تقتله ، وإنما قتله فلان ؛ أي بمعونة فلان قتله . فعلى ذلك الأول . وقوله تعالى : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) أي أصاب المقصد الذي قصدت ، ولكن الله بالغ ذلك المقصد الذي قصدت .
والثالث : [ في الأصل وم : والثاني ] ( فلم تقتلوهم ) أي لم تطمعوا بخروجكم إليهم قتلهم ؛ لأنهم كانوا بالمحل الذي وصفهم من الضعف وشدة الخوف والذلة ( كأنما يساقون إلى الموت )[ الأنفال : 6 ] فإذا كانوا بالمحل الذي ذكر ، فيقول ، والله أعلم : لم تطمعوا بخروجكم إليه وقصدكم إياهم قتلهم لما كان فيكم من الضعف وقوة أولئك ، ولكن الله أذلهم ، وألقى في قلوبهم الرعب والخوف حتى قتلوهم .
وكذلك قوله : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) لا يطمع الإنسان برمي كف من تراب النكبة بأعدائه ( ولكن الله رمى ) حيث بلغ ذلك ، غطى أبصارهم وأعينهم بذلك الكف من التراب على ما ذكر في القصة أنه رمى كفا من تراب ، فغشى أبصار المشركين ، فانهزموا لذلك .
ويحتمل أن تكون نسبة هذه الأفعال إلى نفسه وإضافتها إليه كما نسب ، وأضاف كل خير ومعروف إلى نفسه . من ذلك قوله تعالى : ( يمنون عليك أن أسلموا )الآية [ الحجرات : 17 ] وقوله تعالى : ( ولكن الله يهدي من يشاء )[ البقرة : 272 ] وقوله[ في الأصل وم ، وهو قوله ] تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم )[ الفاتحة : 6 ] وغير ذلك من الآيات التي فيها إضافة الأفعال التي خلصت إلى الله ، وصفت . فعلى ذلك نسب فعلهم إلى نفسه لخلوصه وصفاته .
وقوله تعالى : ( وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ) أي نعمة عظيمة حين [ في الأصل وم : حيث ) نصرهم على عدوهم مع ضعف أبدانهم وعدتهم ، وهو ما ذكر في هلاك فرعون وقومه أنه بلاء من ربكم عظيم بقوله تعالى : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم )[ البقرة : 49 ] فعلى ذلك هذا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( إن الله سميع ) لدعائكم الذي دعوتم وتضرعكم الذي تضرعتم إليه ، وأن يقول : ( سميع ) ، أي مجيب لدعائكم ( عليم ) بأقوالكم وأفعالكم ( ما يسرون وما تعلنون )[ النحل : 19 و التغابن : 4 ] والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.