السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ} (7)

{ الذي خلقك } أي : أوجدك من العدم مهيأ بتقدير الأعضاء { فسوّاك } عقب تلك الأطوار بتصوير الأعضاء والمنافع بالفعل { فعدلك } أي : جعل كل شيء من ذلك سليماً مودعاً فيه قوّة المنافع التي خلقه الله تعالى لها .

تنبيه : قوله تعالى : { الذي } يحتمل الإتباع على البدل والبيان والنعت والقطع إلى الرفع والنصب . واعلم أنه سبحانه وتعالى لما وصف نفسه بالكرم ذكر هذه الأمور الثلاثة كالدلالة على تحقيق ذلك الكرم فقوله سبحانه { الذي خلقك } أي : بعد أن لم تكن لا شك أنه كرم لأنه وجود ، والوجود خير من العدم ، والحياة خير من الموت . كما قال تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم } [ البقرة : 28 ] .

وقوله تعالى : { فسوّاك } أي : جعلك مستوي الخلقة سالم الأعضاء غاية في الكرم كما قال تعالى : { أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سوّاك رجلاً } [ الكهف : 37 ] أي : معتدل الخلق والأعضاء . وقال ذو النون المصري : أي : سخر لك المكوّنات أجمع ، وما جعلك مسخراً لشيء منها ، ثم أنطق لسانك بالذكر وقلبك بالعقل وروحك بالمعرفة ومدّك بالإيمان وشرفك بالأمر والنهي ، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلاً . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الدال والباقون بالتشديد ، بمعنى جعلك متناسب الأطراف فلم يجعل إحدى يديك أو رجليك أطول ، ولا إحدى عينيك أوسع فهو من التعديل . وهو كقوله تعالى : { بلى قادرين على أن نسوّي بنانه } [ القيامة : 4 ] . وقال عطاء عن ابن عباس : جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة لا كالبهيمة المنحنية . وقال أبو علي الفارسي : عدلك خلقك في أحسن تقويم مستوياً على جميع الحيوان والنبات ، وواصلاً في الكمال إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم . وأمّا قراءة التخفيف فتحتمل هذا أي : عدل بعض أعضائك ببعض ويحتمل أن يكون من العدول ، أي : صرفك إلى ما شاء من الهيئات والأشكال . ونقل القفال عن بعضهم : أنهما لغتان بمعنى واحد .