وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) اختلف أهل التأويل : قال بعضهم : الآية في استغفار المؤمنين للمشركين . وقال بعضهم : الآية في نسخ الأحكام والشرائع التي تحتمل النسخ .
فإن كان في [ الاستغفار للمشركين ][ في الأصل وم : استغفار المشركين ] فإنه ليس هناك نسخ ، لأنه لم يسبق لهم الأمر بالاستغفار ولا الإباحة لهم في ذلك ؛ فإنه قال : ما كان الله ليجعل قوما ضلالا بالاستغفار بعد إذ جعلهم مهتدين حتى يعلموا بالنهي عن ذلك ، والله أعلم .
وهو يحتمل ما ذكرنا من استغفارهم للمنافقين قبل أن يتبين لهم ؛ يقول : لا يجعلهم ضلالا بذلك ( حتى يبين لهم ما يتقون )
وإن كان في نسخ الأحكام فكأنه ، والله أعلم ، قال : ما كان الله ليجعل قوما ضلالا جهالا بفعلهم الذي فعلوا بالأمر ( حتى يبين لهم ما يتقون ) أي حتى يعلموا بالذي يلزمهم الانتهاء عنه ، وهو النسخ .
هذا في الأحكام التي تحتمل النسخ وأما الأحكام التي لا تحتمل النسخ فلا . وأصله : إن كل ما كان في العقل امتناع نسخه فإنه لا يرد فيه النسخ ، وكل ما كان في العقل لا امتناع على نسخه فإنه يجوز أن يرد في النسخ .
ثم المسألة في ما عملوا بالمنسوخ قبل العلم به بالنسخ : ما حال العمل الذي عملوا به ؟ يخرجون ، ويأثمون في عملهم بذلك في حال نسخه ، ويُثابون ، ويؤجرون على ذلك . فإن كان الفعل فعل طاعة وقربة فإنه يثاب في قصده وفعله /223-ب/ ، ولا يخرج منه .
ولكن أن[ في الأصل وم : فان ] كان الفعل ليس بفعل قربة وطاعة ، ولكن فعل حل وحرمة فإنه في فعله قبل بلوغ العلم بنسخه لا يخرج في فعله نحو ما روي أنهم كانوا يشربون الخمر ، ثم آتاهم آت فقال : ألا إن الخمر قد حرمت ، فصبوها ، وكفوا عنها . فهم في شربهم بعد التحريم قبل بلوغ الخبر إليهم لا يخرجون .
وأما الفعل الذي هو فعل قربة وطاعة فإن لهم القربة في فعلهم ، وهو الصلاة ، ونحوه ما روي أن نفرا كانوا يصلون إلى بيت المقدس ، فمر علهيم مار ، فقال : ألا إن القبلة قد حولت ، وهم في الركوع ، إلى الكعبة ، فتحولوا نحوها ، فأخبروا عن ذلك رسول الله ، فلم يأمرهم بالإعادة لأن الفعل قربة وطاعة . فالطاعة والقربة موجودة في فعلهم لأن الأفعال التي فرضت لم تفرض لنفس الأفعال ، إنما فرضت للطاعة والقربة لله فيها . فإنه يؤجر على ذلك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( إن الله بكل شيء عليم ) بما في مصالح الخلق وما ليس فيه . كان هذا ، والله أعلم ، خرج لإنكار من أنكر النسخ في الشرائع . يقول : إن الله يعلم بما فيه مصالح الخلق ، وأنتم لا تعلمون . وفي الناسخ مصالح لهم ، وأنتم لا تعلمون .
ويؤيد ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ )
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.