تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (113)

وقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) دلت الآية بما نهانا أن نستغفر لمن علمنا أنه أهل النار لما أن الله لا يغفر له لما علم أنه لا يؤمن فعلى ما علمنا أنه لا يغفر له لم نستغفر له ، ولم[ الواو ساقطة من الأصل وم ] يجز لنا أن نقول : [ له ][ من م ، ساقطة من الأصل ] إنه أراد الإيمان لمن يعلم له أنه لا يؤمن أبدا كما لم يجب أن نستغفر[ في الأصل وم : يغفر ] لمن وجبت له النار .

فهذا ينقض على المعتزلة قولهم : إن الله قد أراد لكل كافر الإيمان ، لكنه لم يؤمن .

ثم قوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) قال بعض أهل التأويل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر لأحد والديه ، وذكر أنه دخل على أبي طالب عمه ، فدعاه إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فأبى ، ثم استغفر له ، وقال : لأستغفرن لك ما لم أنه عنه ، أو كلام نحو هذا ، فنزل قوله : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى ) الآية .

قال الحسن : لا يحتمل أن يكون رسول من رسل الله لا يعلم أن الله لا يغفر للكافر ؛ إذ في العقل و الحكمة ألا يغفر له والتعذيب له أبدا .

وعندنا في الحكمة تعذيب الكافر أبدا وألا يغفر [ أنه ][ من م ، ساقطة من الأصل ] لوجوه :

أحدها : أن في ذلك تسوية بين العدو ووليه ؛ فهو ليس بحكمة[ في الأصل وم : بحكيم ] ؛ إذ في الحكمة التمييز بينهما .

والثاني : أنه إذا عبد غير الله معه إنما يعبد غيره لجهله ، وتلك الجهالة لا ترتفع أبدا ؛ لأنه إذا غفر له ، فيقع عنده أنه إنما جزي [ بما جزي ][ في الأصل : به بما جزي ] وغفر لعبادة غير الله .

والثالث : أنه لو غفر للكافر لذهبت حكمة الأفعال ؛ لأن الأفعال إنما يؤمر بها لعواقب تُتألم : إما حمدا وإما ذما . فإذا غفر له حمد بأفعال كان الحق له الذم بها . ففي [ ذلك ][ من م ، ساقطة من الأصل ] خروجها عن الحكمة .

وجائز أن يكون رسول الله يستغفر للمنافقين قبل أن يتبين له أنهم منافقون فلما تبين له نفاقهم كف عن [ استغفاره لهم ][ في الأصل وم : استغفارهم ] فأما أن يستغفر للكافر على علم منه أنه كافر فلا يحتمل على ما يقوله بعض أهل التأويل : إنه استغفر لعمه ولأحد والديه .