تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

وقوله تعالى : ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) الآية ؛ قال بعض أهل التأويل : تاب الله عليهم لزلات سبقت منهم ولهفوات تقدمت من غير أن كان منهم زلات ؛ في هذا يعني في غزوة تبوك ، وهفوات .

أما التوبة على النبي بقوله : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا )[ التوبة : 43 ] وعلى[ الواو ساقطة من الأصل وم ] المهاجرين والأنصار بما[ الباء ساقطة من الأصل وم ] كان منهم يوم أحد ويوم[ الواو ساقطة من الأصل وم ] حنين بقوله[ في الأصل وم : وقوله ] : ( إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم )[ آل عمران : 155 ] وقال بعضهم : تاب عليهم لهفوات كانت منهم في غزوة تبوك ؛ هموا أن ينصرفوا في وقت غير وقت الانصراف .

ويشبه أن تكون التوبة التي ذكر على وجهين سوى ما ذكروا :

[ أحدهما : هو ][ في الأصل وم : وهو ] : أنه تاب عليهم أي جدد عليهم التوبة للهفوات التي تقدمت أو للثبات عليها من غير أن كان منهم في الحدوث شيء . ولكن يكون لذلك حكم التجديد والثبات عليها ، فيكون كسؤال الهدى ، وهم على الهدى كقوله عز وجل ( اهدنا الصراط المستقيم )[ الفاتحة : 6 ] وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله )[ النساء : 136 ] أي يا أيها الذين آمنوا في ما مضى من الوقت [ آمنوا ][ ساقطة من الأصل وم ] أو اثْبثُوا في ذلك . فعلى ذلك يحتمل أن يكون قوله : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ) أي جدد عليهم التوبة من غير أن كان منهم هفوة ، أو ثبتهم على التوبة التي كانت منهم .

والثاني : أنه ذكر التوبة ؛ وذلك أنهم حين[ في الأصل وم : حيث ] صبروا على ما أصابهم من الشدائد والجهد كشف الله عنهم أشياء كانت مستورة عنهم[ في الأصل وم : عندهم ] ، وجلا لهم أعطية كانت لا تتجلى لهم من قبل .

لكن انجلى ذلك لهم ، وانكشف لصبرهم على الشدائد التي أصابتهم [ كقوله : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) ][ من م ، ساقطة من الأصل ][ البقرة : 156 ] لما صبروا على ما أصابهم من المصائب [ ازدادوا هم ][ في الأصل ازدادهم ، في م : ازداد لهم ] تفويضا [ وتسليما للأمر ][ في الأصل وم : وتسليم الأمر ] والمرجع إليه ، وكقوله : ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله )الآية[ التغابن : 11 ] زاد[ في الأصل وم : ازداد لهم ] لهم بما صبروا هدى ، وتجلى لهم أشياء ، لم تكن من قبل .

فعلى ذلك تحتمل التوبة التي ذكر أنهم لما صبروا على ما أصابهم من الشدة والجهد تجلى لهم أشياء كانت مغطاة ، والله أعلم ؛ فإنه ذكر ( مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ) ولم يذكر أنها زاغت ، وذكر قلوب فريق منهم ، ولم يذكر قلوب الكل كما ذكرنا .

ويحتمل ذكر التوبة على النبي الإشراك[ أدرج قبلها في الأصل وم : على ] له مع المؤمنين من غير أن كان له ذنب ؛ لأنه أخبر أن ذنبه مغفور بقوله : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )[ الفتح : 2 ] فهو كما أشركه في الاستغفار كقوله : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )[ محمد : 19 ] أمره بالاستغفار لذنبه على الإشراك له مع استغفار المؤمنين ؛ إذ أخبر أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

والتوبة من الله تعالى تخرج على وجوه :

أحدها : التوفيق ؛ وفقهم للتوبة ، وأكرمهم بها ، كقوله : ( ثم تاب عليهم ليتوبوا )[ التوبة : 118 ] أي وفقهم للتوبة ، فتابوا .

والثاني : التوفيق ؛ وفقهم للتوبة ، وأكرمهم بها ، كقوله : ( ثم تاب عليهم ليتوبوا )[ التوبة : 118 ] أي وفقهم للتوبة ، فتابوا .

والثاني : التوبة منه قبولها منهم ؛ أي يقبل منهم التوبة كقوله : ( إن الله هو التواب الرحيم )[ التوبة : 118 ] .

والثالث : تاب عليهم ؛ أي تجاوز عنهم ، وعفا ، وصفح عنهم .

على هذه الوجوه الثلاثة تخرج إضافة التوبة إلى الله ،

وقوله تعالى : ( الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ) قيل : هي عسرة النفقة ، وعسرة الظهر .

وقوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ) ذكر في بعض القصة أنه قد أصابهم من الجهد والشدة حتى إن الرجلين ليقسمان التمرة بينهما ، وكانت التمرة يتداولون بينهم ، يمصها هذا ، ثم يشرب عليها الماء ، ثم يمصها هذا . ذكر نحو هذا ، ولكن لا ندري كيف كان الأمر ؟ سوى أنه أخبر أن قلوبهم كادت تزيغ من الجهد .