تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (118)

وقوله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) عن التوبة نحو قوله ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ) كانوا يبتهلون ويدعون الله ، حتى تاب الله عليهم ، فتابوا .

وقال قائلون : ( خلفوا ) عن رسول الله لما تقدمهم القوم ، فهم المخلفون بتقدم اولئك ، وقال قائلون ( خُلِّفوا ) خلفهم الله ؛ أي خلفهم .

ويشبه أن يكون قوله : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) هم الذين تخلفوا[ في الأصل وم : تخلفهم ] ، فلحقوا رسول الله ، وهو ما ذكرنا .

وقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ )[ يحتمل هذا على التحقيق ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ويحتمل أن يكون على التمثيل . وللتحقيق وجهان :

أحدهما : ( ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ ) أنهم شدوا أنفسهم بالسواري ، والأسطوانات ، وأتوا بأموالهم التي منعتهم عن الخروج مع رسول الله ، وتصدقوا بالأرضين التي منعتهم عن الخروج ، وضاقت عليهم الأرض بعدما كانت عليهم متسعة ؛ يتسعون فيها ؛ لأنه ذكر في القصة أن واحدا من هؤلاء مما حبسته أرضه عن الخروج ، فتصدق بها على الفقراء ، وكان له التوسع بتلك الأرض ، ثم ضاقت عليه .

والثاني : ( ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ) لما حبسوا أنفسهم عن أراضيهم ، وتركوا شهواتهم وأمانيهم وما يتلذذون به فذلك ضيق الأرض ( وضاقت عليهم أنفسهم ) لما شدوا أنفسهم بالأسطوانات .

ويحتمل أن يكون على التمثيل ؛ وذلك أن الخوف إذا اشتد على الإنسان ، وبلغ غايته ، حتى يمنعه من القرار في الأرض والتلذذ فيها ، يقال : ضاقت عليه الأرض بسعتها ، وضاقت عليهم أنفسهم لما ذكر : كان الناس لا يكلمونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يبايعونهم ، ولا يكلمهم أهاليهم .

وقوله تعالى : ( وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ) قال بعضهم : ظنوا أن لا نجاة من عقوبة الله إلا عفوه ، أي أيقنوا أن لا مخلص لهم ولا احتراز لهم من عقابه . وقيل : ( وظنوا أن لا ملجأ ) من عذاب الله إلا إلى رحمته . وقيل : ( وظنوا أن لا ملجأ ) من رسول الله إلا إلى الله ؛ لأنه ذكر أنهم سألوا رسول الله /224-أ/ التجاوز عن ذلك ، فلم يجبهم ، فأيقنوا عند ذلك أن الفزع والملجأ إلى الله ، لا إلى دونه .

وقوله تعالى : ( ثم تاب عليهم ) أي وفقهم التوبة ، فتابوا ( إن الله هو التواب الرحيم ) أي يقبل التوبة ، أي قابلها .