بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (115)

قوله تعالى : { وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله تعالى عليه الفرائض ، ففعل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون . ثم إن الله تعالى أنزل ما ينسخ الأمر الأول ، وقد غاب الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبلغهم ذلك ، فعملوا بالمنسوخ ، وكانوا يصلون إلى القبلة الأولى ولا يعلمون ، ويشربون الخمر ولا يعلمون تحريمها ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : { وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } وإن عملوا بالمنسوخ ، { حتى يُبَيّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } ، يعني : ما نسخ من القرآن ، يعني : إنه قبل منهم ما عملوا بعد النسخ ولا يؤاخذهم بذلك . ويقال : وما كان الله ليهلك قوماً ، حتى يقيم عليهم الحجة ويقال : ليُعَذِّبَهُمْ في الآخرة ، يعني : يبين لهم ما يتقون . ويقال : لا يتركهم بلا بيان بعد أن أكرمهم بالإيمان ، حتى يبيِّن لهم ما يحتاجون ويقال لا ينزع الإيمان عنهم بعد أن هداهم إلى الإيمان حتى يبين لهم الحدود والفرائض ، فإذا تركوا ذلك ولم يروه حقاً ، عذبهم الله تعالى ونزع عنهم المعرفة . ويقال : { وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً } على الابتداء { حتى يُبَيّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } فيصيروا فيه ضلالاً . وهذا طريق المعتزلة والطريق الأول أصح وبه نأخذ .

ثم قال : { أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } ، يعني : عليم بكل ما يصلح للخلق .