نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (115)

ولما كان الاستغفار للمشركين أمراً عظيماً ، وكان فيه نوع ولاية لهم ، أظهر سبحانه للمؤمنين ما منّ عليهم به من عدم المؤاخذة بالإقدام عليه تهويلاً لذلك وقطعاً لما بين أوج الإيمان وحضيض الكفران بكل اعتبار فقال تعالى : { وما كان الله } أي الذي له صفات الكمال ؛ ولما كان الضلال سبب الهلاك ، وكان من شرع شريعة ثم عاقب ملتزمها{[37292]} من غير بيان كمن دل على طريق{[37293]} غير موصل فهلك صاحبه فكان الدال بذلك مضلاً ، قال : { ليضل قوماً } أي يفعل بهم ما يفعل بالضالين من العقوبة لأجل ارتكابهم لما ينهي عنه بناسخ نسخه { بعد إذ هداهم } أي بشريعة نصبها لهم { حتى يبين لهم } أي بياناً شافياً لداء العي { ما يتقون } أي مما هو جدير بأن يحذروه ويتجنبوه خوفاً من غائلته بناسخ ينسخ حال الإباحة التي كانوا عليها{[37294]} .

ولما كان الذي يأمر بسلوك طريق ثم يترك فيها ما يحتاج إلى البيان إنما يؤتى عليه من الجهل أو النسيان . نفى ذلك سبحانه عن نفسه فقال معللاً لعدم الإضلال : { إن الله } أي المحيط بصفات الكمال { بكل شيء عليم* } أي بالغ العلم فلا يتطرق إليه خفاء بوجه من الوجوه في حين من الأحيان فهو يبين لكم جميع ما تأتون وتذرون وما{[37295]} يتوقف عليه الهدى ، وما تركه فهو إنما يتركه رحمة لكم{ لا يضل ربي ولا ينسى }{[37296]}[ طه : 52 ] فلا تبحثوا عنه ؛


[37292]:في ظ: ملتزما.
[37293]:زيد في ظ: من.
[37294]:سورة 28 آية 56.
[37295]:في ظ: مما.
[37296]:سورة 20 آية 52.