النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ} (70)

قوله عز وجل : { فلما جهزهم بجهازهم } وهو كيل الطعام لهم بعد إكرامهم وإعطائه بعيراً لأخيهم مثل ما أعطاهم .

{ جعل السقاية في رحل أخيه } والسقاية والصواع واحد . قال ابن عباس . وكل شيء يشرب فيه فهو صواع ، قال الشاعر :

نشرب الخمر بالصواع جهاراً *** وترى المتك بيننا مستعارا{[1513]}

قال قتادة : وكان إناء المتك الذي يشرب فيه .

واختلف في جنسه ، فقال عكرمة كان من فضة ، وقال عبد الرحمن بن زيد : كان من ذهب ، وبه كال طعامهم مبالغة في إكرامهم .

وقال السدي : هو المكوك العادي الذي يلتقي طرفاه .

{ ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون } أي نادى مناد فسمى النداء أذاناً لأنه إعلام كالأذان .

وفي { العير } وجهان :

أحدهما : أنها الرفقة .

الثاني : أنها الإبل المرحولة المركوبة ، قاله أبو عبيدة .

فإن قيل : كيف استجاز يوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه لسرقهم وهم برآء ، وهذه معصية ؟

قيل عن هذه أربعة أجوبة :

أحدها : أنها معصية فعلها الكيال ولم يأمر بها يوسف .

الثاني : أن المنادي الذي كال حين فقد السقاية ظن أنهم سرقوها ولم يعلم بما فعله يوسف ، فلم يكن عاصياً .

الثالث : أن النداء كان بأمر يوسف ، وعنى بذلك سرقتهم ليوسف من أبيه ، وذلك صدق .

الرابع : أنها كانت خطيئة من قبل يوسف فعاقبه الله{[1514]} عليها بأن قال القوم { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } يعنون يوسف{[1515]} . وذهب بعض من يقول بغوامض المعاني إلى أن معنى قوله : { إنكم لسارقون } أي لعاقون لأبيكم في أمر أخيكم حيث أخذتموه منه وخنتموه فيه{[1516]} .


[1513]:سبق ورود هذا البيت في تفسير الآية 31 من هذه السورة وهو هناك: تشرب الآثم، وفي وفي اللسان أيضا نشرب الإثم إلا أنني أبقيت البيت هنا على حاله في الأصل لعل فيه رواية أخرى.
[1514]:ولم كل هذه الأقوال والله تعالى يقول "كذلك كدنا ليوسف" أي أن ذلك التدبير كان بوحي من الله تعالى.
[1515]:يروى ابن أم يوسف ماتت وهو صغير فحضنته عمته وأحبته كثيرا، ولما طلبه أبوه منها احتالت بأن جعلت منطقة كانت لاسحاق في ثياب يوسف ثم تظاهرت بأنها فقدتها وفتشت يوسف فوجدتها عنده فطلبت من أبيه أن يظل يوسف ليخدمها جزاء سرقته المنطقة. وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان.
[1516]:سقط من ق.