النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ} (159)

قوله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا } قيل : هم رؤساء اليهود ، كعب ابن الأشرف ، وكعب بن أسد ، وابن صوريا ، وزيد بن التابوت{[240]} ، هم الذين كتموا ما أنزل الله .

{ مَنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى } فيه قولان :

أحدهما : أن البينات هي الحجج الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والهدى : الأمر باتباعه .

والثاني : أن البينات والهدى واحد ، والجمع بينهما تأكيد ، وذلك ما أبان عن نبوته وهدى إلى اتباعه .

{ مَنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ } يعني القرآن .

{ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } فيهم أربعة أقوال :

أحدها : أنهم كل شيء في الأرض من حيوان وجماد إلا الثقلين الإنس والجن ، وهذا قول ابن عباس والبراء بن عازب .

والثاني : اللاعنون : الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة مستحقها منهما ، فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت اللعنة على اليهود ، وهذا قول ابن مسعود .

والثالث : أنهم البهائم ، إذا يبست الأرض قالت البهائم هذا من أجل عُصاةِ بني آدم ، وهذا قول مجاهد وعكرمة .

والرابع : أنهم المؤمنون من الإنس والجن ، والملائكة يَلعنون مَنْ كَفَر بالله واليوم الآخر ، وهذا قول الربيع بن أنس .


[240]:- كعب بن الأشرف اليهودي من طيىء ثم من بني نبهان أمه من بني النضير، بكى قتلى بدر وشبب بنساء المسلمين في شعره، وكثر شره فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة ومعه خمسة من الأوس بقتله فقتلوه وذلك قبل غزوة أحد. وقصة قتله في سيرة ابن هشام جـ3 ص 58 بتحقيق إبراهيم الأبياري وآخرين. أما كعب بن أسد فهو من يهود بني قريظة وصاحب عقدهم وقد نقض عهده مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب. وكان كعب فيمن قتل من رجال قريظة انظر سيرة ابن هشام جـ3 ص 252. وابن صوريا هو عبد الله بن صوريا الأعور من علماء اليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام لم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه انظر سيرة ابن هشام جـ2 ص 161، 198، 213، 214، 216 زيد بن التابوت: هكذا في الأصول والذي في سيرة ابن هشام أنه رفاعة بن زيد بن التابوت ولعل رفاعة سقطت من الناسخ. ورفاعة هذا أحد بني قينقاع وكان من عظماء اليهود كهفا للمنافقين، مات يوم أن عاد المسلمون إلى المدينة من غزوة بني المصطلق انظر سيرة ابن هشام جـ 2 ص 174 وغيرها.