الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ} (159)

وقوله سبحانه : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا . . . } [ البقرة :159 ]

المراد بالذين : أحبار اليهود ، ورهبانُ النصارَى ، الذين كتموا أمْرَ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وتتناول الآية بَعْدُ كلَّ من كتم علمًا من دين اللَّه يُحْتَاجُ إلى بَثِّهِ ، وذلك مفسَّر في قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ ، فَكَتَمَهُ ، أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنَ النَّارِ ) . قال ابن العربيِّ : وللآية تحقيقٌ ، وهو أن العَالِمَ إِذا قصد الكتمانَ عصى ، وإِذا لم يقصده لم يلزمْهُ التبليغُ ، إذا عرف أن معه غيره ، وقد كان أبو بكر وعمر لا يحدِّثان بكلِّ ما سمعا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ عند الحاجةِ ، وكان الزُّبَيْرُ أقلَّهم حديثاً ، ثم قال ابنُ العَرَبِيِّ : فأما من سئل ، فقد وجَبَ عليه التبليغُ لهذه الآية ، وأما إِن لم يُسْأل ، فلا يلزمُ التبليغ إِلا في القرآن وحْده ، وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في فضيلةِ التبْلِيغِ بأنَّه قال : ( نَضَّرَ اللَّهُ امرأ سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا ) . انتهى من «أَحْكَامِ القُرْآن » .

و{ البينات والهدى }[ البقرة :159 ] .

أمر محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ثم يعمُّ بعدُ كلَّ ما يكتم من خير ، و { فِي الكتاب }[ البقرة :159 ] يراد به التوراةُ والإنجيلُ ، ويدخل القرآن في عموم الآية .

واختلف في «اللاَّعِنينَ » ، فقال قتادة والربيع : الملائِكةُ والمؤمنون ، وهذا ظاهرٌ واضحٌ ، وقيل : الحشرات والبهائمُ ، وقيل : جميع المخلوقات ما عدا الثقلَيْن الجِنَّ والإِنْسَ ، وهذان القولانِ لا يقتضيهما اللفظُ ، ولا يثبتان إلا بسندٍ يقطعُ العُذْر .