الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ} (159)

ثم قال( {[4985]} ) : ( اِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى ) [ 158 ] .

يعني أحبار( {[4986]} ) اليهود وعلماء النصارى كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وتركوا اتباعه مع كونه مذكوراً عندهم في التوراة والإنجيل موصوفاً( {[4987]} ) .

وذكر عن ابن( {[4988]} ) عباس أن معاذ بن( {[4989]} ) جبل سال بعض أحبار( {[4990]} ) اليهود عن ما في التوراة من ذكر النبي عليه السلام فكتموه إياه ، فأنزل الله عز وجل ( اِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ )( {[4991]} ) . إلى : ( اللاَّعِنُونَ )( {[4992]} ) . وهو قول مجاهد( {[4993]} ) .

وقال قتادة : " هم أهل الكتاب كتموا الإسلام ، وهو دين الله سبحانه وكتموا محمداً وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " ( {[4994]} ) .

/وقوله : ( مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ )( {[4995]} ) [ 158 ] .

يعني بالكتاب هنا : التوراة والإنجيل . وهذه الآية وإن كانت خاصة لبعض الناس فإنها عامة لكل من سئل عن علم يعلمه فكتمه .

وقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ]( {[4996]} ) " مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنَ النَّارِ( {[4997]} ) " ( {[4998]} ) .

ثم قال : ( أُوْلاَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) [ 158 ] .

أي : أولئك الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم يعلنهم الله عز وجل بكتمانهم ، أي : يبعدهم( {[4999]} ) الله من رحمته ويطردهم .

وقوله( {[5000]} ) : ( وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) [ 158 ] .

قيل : معناه : ويسأل ربَّهم اللاعنون أن( {[5001]} ) يلعنهم( {[5002]} ) لأن كل لاعن إنما يقول : " اللهم العن هذا " .

وقيل( {[5003]} ) : اللاعنون البهائم ؛ إذا أسْنَتَتِ( {[5004]} ) السَّنَةُ ، قالت البهائم : " هذا من أجل( {[5005]} ) عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم " ( {[5006]} ) .

وقال عكرمة : " يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقارب/ يقولون : منعنا القطر بذنوب بني آدم " ( {[5007]} ) .

وإنما جُمِعَ جَمْعَ السلامة( {[5008]} ) على هذا القول ، وهو ما لا يعقل لأنه لما أخبر عنهم بمثل ما يخبر عن بني آدم جمعهم كما يجمع بني آدم( {[5009]} ) .

وقال قتادة : " اللاعنون هنا : الملائكة والمؤمنون " ( {[5010]} ) . وقاله الربيع( {[5011]} ) .

قال مقاتل : " اللاعنون كل ما على وجه الأرض إلا الثقلين : الجن والإنس ، وذلك أن الكافر إذا أدخل( {[5012]} ) قبره ضربته/الملائكة بمقمعة حين تقول له : من ربك ؟ فيقول : لا أدري ، فيصيح صيحة يسمعها كل ما على وجه الأرض من غير الجن والإنس ، فلا تَقِر تلك الصيحة في سمع شيء إلا لعنه " .

قال مجاهد : " اللاعنون البهائم " ( {[5013]} ) .

ولما وصفت باللعنة : جاز جمعها( {[5014]} ) بالواو والنون ، وإن كانت لا تعقل . وله نظائر كثيرة( {[5015]} ) .

وقيل : / اللاعنون الملائكة الذين يسوقون أهل الكفر إلى النار . والهاء في ( خَالِدِينَ فِيهَا ) تعود على اللعنة( {[5016]} ) .

واللعن أصله الطرد والبعد من الرحمة( {[5017]} ) .

قال مقاتل : " اللعنة النار " . وحسن ذلك عنده لما كانت عاقبة اللعنة المصير إلى النار .

وقال السدي : " اللاعنون ما عدا بني آدم والجن " ( {[5018]} ) .

وروي عن البراء بن( {[5019]} ) عازب : " أن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها( {[5020]} ) قدران( {[5021]} ) من نحاس ، معها عمود من حديد ، فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح ، فلا يسمع أحد صوته إلا لعنه ، ولا( {[5022]} ) يبقى شيء إلا سمع صوته إلا الثقلين : الجن والإنس " ( {[5023]} ) . / وهو قول الضحاك( {[5024]} ) .

ويروى عن ابن مسعود أنه قال : " اللاعنون : الاثنان إذا تلاعنا ألحقت اللعنة مستحقها منهما ، فإن لم يستحقها واحد منهما( {[5025]} ) رجعت على اليهود " ( {[5026]} ) .

وقي : هذه اللعنة إنما تكون يوم/القيامة كما قال( {[5027]} ) تعالى : ( وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً )( {[5028]} )( {[5029]} ) .


[4985]:- في ح: قال تعالى.
[4986]:- في ق: أخبار. وهو تصحيف.
[4987]:- انظر: هذا التفسير في جامع البيان 3/249، وأسباب النزول 48.
[4988]:- في ق: بن. وهو خطأ.
[4989]:- في ع2، ع3: ابن. وهو خطأ.
[4990]:- في ق: أخبار. وهو تصحيف.
[4991]:- في ع3: يكتمون ما أنزل.
[4992]:- انظر: الدر المنثور 1/390.
[4993]:- انظر: جامع البيان 3/250، والدر المنثور 1/390.
[4994]:- انظر: المصدر السابق.
[4995]:- في ع2: بالكتاب. وهو خطأ.
[4996]:- في ح: عليه السلام.
[4997]:- في ع3: النار.
[4998]:- رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حدسن. سنن أبي داود 3/321، وسنن ابن ماجه 1/97، وسنن الترمذي 5/29.
[4999]:- في ع3: يبعد.
[5000]:- في ع3: قولهم.
[5001]:- في ع3: أي.
[5002]:- في ع2: ويلعنوهم. وفي ع3: يلعنونهم.
[5003]:- وهو قول مجاهد في جامع البيان 3/254، والدر المنثور 1/391.
[5004]:- في ق: استنت. وفي ع3: سننت. وأَسْنَنَتِ الأرض والسنة أجذبت، والسنة القحط والجدب. انظر: اللسان 2/214- 2/224.
[5005]:- في ق: أجبل. وهو تحريف.
[5006]:- سقط قوله: "لعن الله عصاة بني آدم" من ع3.
[5007]:- انظر: جامع البيان 3/255، والدر المنثور 1/391.
[5008]:- في ع2، ع3: سلامة.
[5009]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/256.
[5010]:- انظر: جامع البيان 3/256-257، والمحرر الوجيز 2/31، وتفسير ابن كثير 1/200.
[5011]:- المصدر السابق.
[5012]:- في ع2، ق، ع3: دخل.
[5013]:- انظر: جامع البيان 3/255.
[5014]:- في ع3: جمعه.
[5015]:- انظر: هذا التوجيه في تفسير القرطبي 2/187، والمحرر الوجيز 2/31.
[5016]:- هو قول أبي العالية في جامع البيان 3/254.
[5017]:- انظر: مفردات الراغب 471، واللسان 3/374.
[5018]:- أورده الطبري ولم ينسبه لأحد، وعزاه القرطبي إلى ابن عباس والبراء بن عازب. انظر: جامع البيان 3/257، وتفسير القرطبي 2/187.
[5019]:- في ع3: ابن. وهو خطأ.
[5020]:- في ق: عينها.
[5021]:- في ع2: ندرا. وهو تحريف.
[5022]:- سقط من ق.
[5023]:- انظر: جامع البيان 3/257، والدر المنثور 1/391.
[5024]:- المصدر السابق.
[5025]:- سقط قوله: "فإن لم يستحقا واحد مهما" من ق.
[5026]:- انظر: تفسيره 2/78.
[5027]:- في ع3: قال الله.
[5028]:- العنكبوت آية 24.
[5029]:- وهو قول أبي العالية في تفسير القرطبي 2/190.