الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَـٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ} (159)

{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ } يعني الرجم والحدود والأحكام والحلال والحرام . { وَالْهُدَى } يعني وأمر محمّد صلى الله عليه وسلم ونعته . { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ } لبني إسرائيل . { فِي الْكِتَابِ } في التّوراة نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم كتموا صفة محمّد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم . { أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ } أصل اللّعن في اللغة الطّرد ولعن الله إبليس بطرده إيّاه حين قال له : { فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [ الحجر : 34 ] [ ص : 77 ] .

قال الشّماخ : وذكر ما ورده :

ذعرت به القطا وبقيت فيه *** مقام الذّئب كالرّجل اللّعين

وقال النابغة :

فبتّ كانّني خرج لعين *** نفاه النّاس أو أدنف طعين

فمعنى قولنا : لعنه الله : أي طرده وأبعده وأصل اللّعنة ما ذكرنا ثمّ كثر ذلك حتّى صار قولاً . { وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } أي يسألون الله أن يلعنهم ويقولون : اللّهمّ إلعنهم واختلف المفسّرون في هؤلاء اللاّعنين .

قال قتادة : هم الملائكة .

عطاء : الجنّ والأنس .

الحسن : عباد الله أجمعون .

ابن عبّاس : كلّ شيء إلاّ الجنّ والأنس .

الضحّاك : إن الكافر إذا وضع في حفرته قيل له من ربّك ؟ ومن نبيّك ؟ وما دينك ؟ فيقول : لا أدري . فيقول له : لا دريت ، ثمّ يضربه ضربة بمطرق فيصيح صيحة يسمعها كلّ شيء إلاّ الثّقلان الأنس والجنّ فلا يسمع صوته شيء إلاّ لعنه فذلك قوله { وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } .

البراء بن عازب : إنّ الكافر إذا وضع في قبره أتته دابّة كأنّ عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح فلا يسمع أحد صوته إلاّ لعنه ولا يبقى شيء إلاّ سمع صوته غير الثقلين .

ابن مسعود : هو الرّجل يلعن صاحبه فترتفع اللّعنة في السماء ثمّ تنحدر فلا تجد صاحبها الّذي قيلت له أهلاً لذلك فترجع إلى الّذي يحكم بها فلا تجده لها أهلاً فتنطلق فتقع على اليهود فهو قوله عزّ وجلّ { وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ } . فمن تاب منهم ارتفعت اللّعنة عنه وكانت فيمن لقي من اليهود .

مجاهد : اللاّعنون البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا أسنت السنّة وامسك المطر قالت : هذا بشؤم ذنوب بني آدم .

عكرمة : دوّاب الأرض وهوامّها حتّى الخنافس والعقارب يقولون منعنا القطر بذنوب بني آدم وإنّما قال لهذه الأشياء اللاّعنون ولم يقل اللاعنات ؛ لأن من شأن العرب إذا وصفت شيئاً من الجمادات والبهائم وغيرها سوى النّاس بما هو صفة للنّاس من فعل أو قول لن يخرجوه على مذهب بني آدم وجمعهم كقولهم { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] ولم يقل ساجدات ، وقوله للأصنام { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] ، وقوله { يأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } [ النمل : 18 ] ، وقوله { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } [ فصلت : 21 ] الآية ثمَّ استثنى فقال : { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ }