النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالٖ فِيهِۖ قُلۡ قِتَالٞ فِيهِ كَبِيرٞۚ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (217)

قوله تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قَتَالٍ فِيهِ ، قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } والسبب في نزول هذه الآية أن عبد الله بن جحش خرج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعة نفر من أصحابه وهم أبو حذيفة{[306]} بن عتبة بن ربيعة ، وعكاشة ابن محصن ، وعتبة بن غزوان ، وسهيل بن البيضاء ، وخالد ابن البكير ، وسعد بن أبي وقاص ، وواقد بن عبد الله ، وعبدُ الله بن جحش كان أميرهم ، فتأخر عن القوم سعد وعتبة ليطلبا بعيراً لهما ضَلَّ ، فلقوا عمرو بن الحضرمي فرماه واقد بن عبد الله التميمي بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان ، وغُنِمت العير ، وكان ذلك في آخر ليلة من جمادى الآخِرة أو أول ليلة من رجب ، فعيرت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقدم عبد الله بن جحش فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولامه المسلمون حتى أنزل الله فيه هذه الآية .

واختلفوا فيمن سأل عن ذلك على قولين :

أحدهما : أنهم المشركون ليعيّروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستحلوا قتاله فيه ، وهو قول الأكثر .

والثاني : أنهم المسلمون سألوا عن القتال في الشهر الحرام ليعلموا حكم ذلك . فأخبرهم الله تعالى : أن الصد عن سبيل الله وإخراج أهل الحرم منه والفتنة أكبر من القتل في الشهر الحرام وفي الحرم ، وهذا قول قتادة .

واختلفوا في تحريم القتال في الأشهر الحرم هل نسخ أم لا ؟ فقال الزهري : هو منسوخ بقوله تعالى : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً }{[307]} . وقال عطاء : هو ثابت الحكم ، وتحريم القتال فيه باقٍ غير منسوخ ، والأول أصح لما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غزا هوازن بحنين ، وثقيفاً بالطائف ، وأرسل أبا العاص{[308]} إلى أوطاس لحرب مَنْ بها من المشركين في بعض الأشهر الحرم ، وكانت بيعة الرضوان على قتال قريش في ذي القعدة .

وقوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } أي يرجع ، كما قال تعالى :

{ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً }

[ الكهف : 64 ] أي رجعا ، ومن ذلك قيل : استرد فلان حقه .

{ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي بطلت ، وأصل الحبوط الفساد ، فقيل في الأعمال إذا بطلت حبطت لفسادها .


[306]:- وكان معها نوفل بن عبد الله أخو عثمان إلا أنه أفلت قبل أن يؤسر والاثنان من بني مخزوم أما عثمان بن عبد الله فلحق بعدئذ بمكة فمات بها كافرا وأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه. وهذه هي سرية عبد الله بن جحش وقد كانت بعد غزوة بدر الأولى في السنة الثانية من الهجرة. انظر خبرها مفصلا في سيرة ابن هشام ج2 ص 252 وما بعدها.
[307]:- الآية 36 من سورة التوبة.
[308]:- أبا العاص: هكذا في ك والصواب أنه أبو عامر وهو أبو عامر الأشعري عم أبي موسى لقى عشرة إخوة من المشركين يوم أوطاس فقتل تسعة منهم، ثم رمى أبا عامر إخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته فقتلاه وولي الناس بعده أبو موسى وأوطاس واد في ديار هوزان كانت فيه وقعة حنين. انظر سيرة ابن هشام جـ4 ص 97، 99، 101، 118.