النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المؤمنون

مكية في قول الجميع

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : معناه قد سعد المؤمنون ومنه قول لبيد :

فاعقلي إن كنت لمّا تعقلي *** إنما أفلح من كان عقل

الثاني : أن الفلاح البقاء ومعناه قد بقيت لهم أعمالهم ، وقيل : إنه بقاؤهم في الجنة ، ومنه قولهم في الأذان : حي على الفلاح أي حي على بقاء الخير قال طرفة بن العبد :

أفبعدنا أو بعدهم . . . يرجى لغابرنا الفلاح ***

الثالث : أنه إدْراك المطالب قال الشاعر{[2035]} :

لو كان حي مدرك الفلاح *** أدركه ملاعب الرماح

قال ابن عباس : المفلحون الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا .

روى عمر بن الخطاب قال كان النبي صل الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يسمع عند وجهه دويٌ كدويّ النحل ، فنزل عليه يوماً فلما سرى عنه استقبل القبلة ورفع يديه ثم قال : " اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تُنْقِصْنَا ، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا ، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا ، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَينَا ، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا " ، ثم قال : " لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ عَشْرَ آيات مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ " ثم قرأ علينا { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } حتى ختم العشر{[2036]} .

روى أبو عمران الجوني قال قيل لعائشة ما كان خُلُق رسول الله صل الله عليه وسلم ؟ قالت أتقرؤُون سورة المؤمنون ؟ قيل : نعم ، قالت اقرؤُوا فقرئ عليها { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } حتى بَلَغَ { يَحَافِظُونَ } .

فقالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم .


[2035]:هو لبيد بن ربيعة
[2036]:رواه الترمذي