النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

قوله عز وجل : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإِ فِي مَسْاكَنِهِمْ{[2252]} } الآية . وقد ذكرنا اختلاف الناس في سبإ على قولين :

أحدهما : أنه اسم أرض باليمن يقال لها مأرب ، قاله سفيان .

الثاني : اسم قبيلة .

واختلف من قال بهذا هل هو اسم امرأة أو رجل على قولين .

أحدهما : أنه اسم امرأة نسبت القبيلة إليها لأنها أمّهم .

الثاني : أنه رجل . روي أن فروة الغطيفي{[2253]} سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو ؟ أبلد أم رجل أم امرأة ؟ فقال : " بَلْ رَجُلٍ وَلَدَ عَشْرَةً ، فَسَكَنَ اليَمَنَ مِنهُم سِتَّةٌ وَالشَّامَ أَرْبَعَةٌ أَمَّا اليَمَانِيُّونَ فَمَذْحَجٌ وَكِيْدَهٌ وَالأزد وَالأَشعَرِيُّونَ وَأَنَمَارُ وحِمْيَرُ ، وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ فَلَخْمٌ وَخِذَامُ وَغَسَّانُ وَعَامِلَةُ " .

وذكر أهل النسب أنه سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . قال السدي : بعث إلى سبأ ثلاثة عشر{[2254]} نبياً .

وأما { جَنَّتَانِ } فقال سفيان وجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما : نحن بنينا سالمين ، في سبعين خريفاً دائبين ، وعلى الآخر : نحن بنينا صرواح ، مقيل ومراح . وكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله .

وفي الآية التي لسبأ في مساكنهم قولان :

أحدهما : أنه لم يكن في قريتهم بعوضة قط ولا ذبابة ولا برغوث ولا حية< ولا عقرب>{[2255]} وان الركب ليأتون في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب ، قاله عبد الرحمن بن زيد .

الثاني : أن الآية هي الجنتان كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها مكتل فيمتلئ وما مسته بيدها ، قاله قتادة .

{ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبّكُمْ } يعني الذي رزقكم من جنتيكم .

{ وَاشْكُرُوا لَهُ } يعني على ما رزقكم .

{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } قال مجاهد : هي صنعاء .

ويحتمل وجهين :

أحدها : لأن أرضها عذبة وليست بسبخة .

الثاني : لأنها ليس بها هوام .

الثالث : لأن ثمارها هنيئة موفورة .

{ ورب غفور } فإن قيل فكيف خصهم بالامتنان بأنه غفور للذنوب وهذه نعمة منه تعم جميع خلقه ؟

ففيه جوابان :

أحدهما : يجوز أن يكون امتنانه عليهم بعفوه على عذاب الاستئصال بتكذيب من كذبوه من سالف الأنبياء إلى أن اشتد أمر الإصرار فاسؤصلوا .

الثاني : لأنه جمع لهم بين طيب بلدهم ومغفرة ذنوبهم ولم يجمع ذلك لجميع خلقه فلذلك صاروا مخصوصين من بينهم .


[2252]:هذه قراءة نافع وقد سار عليها المؤلف أما قراءة حفص فهي مسكنهم بالإفراد.
[2253]:هو فروة بن مسيك المرادي وهذا الحديث رواه الترمذي في التفسير رقم 3220، وأبو داود رقم 3978.
[2254]:في ك: اثنا عشر.
[2255]:من ك.