النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

قوله عز وجل : { يَعْمَلَونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ } فيها ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها قصور ، قاله عطية .

الثاني : المساجد ، قاله قتادة والحسن .

الثالث : المساكن ، قاله ابن زيد .

قال أبو عبيدة : محراب الدار أشرف موضع فيها ، ولا يكون إلا أن يرتقى إليه .

{ وَتَمَاثِيلَ } هي الصور ، قال الحسن ولم تكن يومئذ محرمة . وفيها قولان :

أحدهما : أنها من نحاس ، قاله مجاهد .

الثاني : من رخام وشبَه ، قاله قتادة .

ثم فيها قولان :

أحدهما : أنها كانت طواويس وعقباناً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره لكي يهاب من شاهدها أن يتقدم ، قاله الضحاك .

الثاني : صور الأنبياء الذين كانوا قبله ، قاله الفراء .

{ وِجِفَانٍ } قال مجاهد : صحاف .

{ كَالْجَوَابِ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : كالحياض ، قاله الحسن .

الثاني : كالجوبة{[2239]} من الأرض ، قاله مجاهد .

الثالث : كالحائط ، قاله السدي .

{ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : عظام ، قاله مجاهد .

الثاني : أن أثافيها منها ، قاله ابن عباس .

الثالث : ثابتات لا يزلن عن أماكنهن ، قاله قتادة ، مأخوذ من الجبال الرواسي لثبوتها وثبوت الأرض بها . قال ابن جريج : ذكر لنا أن تلك القدور باليمن أبقاها الله تعالى آية وعبرة .

{ اعْمَلُوا آل دَاوُدَ شُكْراً } فيه ستة تأويلات :

أحدها : أنه توحيد الله تعالى ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : تقوى الله والعمل بطاعته ، قاله محمد بن كعب .

الثالث : صوم النهار وقيام الليل ، قاله ابن أبي زياد ، فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها من آل داود قائم .

الرابع : اعملوا من الأعمال ما تستوجبون عليه الشكر ، قاله ابن عطاء .

الخامس : اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية .

السادس : ما حكاه الفضيل {[2240]}{ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً } فقال داود إِلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك ؟ قال : " الآنَ شَكَرْتِنِي حِينَ عَلمْتَ أَنَّ النِّعَمَ مِنِّي " .

{ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : المؤمن ، قاله يحيى بن سلام .

الثاني : الموحّد ، وهو معنى قول ابن عباس .

الثالث : المطيع ، وهو مقتضى قول محمد بن كعب .

الرابع : ذاكر نعمه . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال : " ثَلاَثَةٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُتُي مِثْلُ< مَا أوتِيَ{[2241]}> آلُ دَاوُد : العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا ، والقَصدُ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى ، وَخَشَيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِ وَالعَلاَنِيَةِ{[2242]} " .

وفي الفرق بين الشاكر والشكور ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره .

الثاني : أن الشاكر على النعم والشكور على البلوى .

الثالث : أن الشاكر خوفه أغلب والشكور رجاؤه أغلب .


[2239]:الجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل فيها ماء المطر وجمعها جوب.
[2240]:من ك
[2241]:من ك
[2242]:خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.