النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ} (17)

قوله عز وجل : { ثُمَّ لأَتِيَنَّهُم مِنَ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ . . . } الآية . فيه أربعة تأويلات :

أحدها : { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي أُشكّكهم في آخرتهم . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أرغبهم في دنياهم . { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } أي من قبل حسناتهم . { وَعَن شَمَائِلِهِم } من قبل سيئاتهم ، قاله ابن عباس{[1038]} .

والثاني : { مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ } : من قبل دنياهم . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } : من قبل آخرتهم . { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } : الحق أشككهم فيه . { وَعَن شَمَائِلِهِم } : الباطل أرغبهم فيه ، قاله السدي وإبراهيم .

والثالث : { مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم } { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من حيث ينظرون . { وَمِنْ خَلْفِهِم } { وَعَنْ شَمَائِلِهِم } : من حيث لا يبصرون ، قاله مجاهد .

والرابع : أراد من كل الجهات التي يمكن الاحتيال عليهم منها . ولم يذكر من فوقهم لأن رحمة الله تصده ، ولا من تحت أرجلهم لما فيه التنفير ، قاله بعض المتأخرين .

ويحتمل تأويلاً خامساً : { مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم } : فيما بقي من أعمارهم فلا يقدمون على طاعة ، { وَمِنْ خَلْفِهِم } : فيما مضى من أعمارهم فلا يتوبون عن معصية . { وَعَنْ أَيْمَانِهِم } : من قبل غناهم فلا ينفقونه في مشكور . { وَعَن شَمَائِلِهِمِ } : من قبل فقرهم فلا يمتنعون فيه عن محظور .

ويحتمل سادساً : { مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم } : بسط أملهم . { وَمِنْ خَلْفِهِم } : تحكيم جهلهم . { وعن أيمانهم } : فيما ييسر لهم . { وَعَن شَمَائِلِهِم } : فيما تعسّر عليهم{[1039]} ،

ثم قال : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } يحتمل وجهين :

أحدهما : شاكرين لنعمك .

والثاني : مقيمين على طاعتك .

فإن قيل : فكيف علم إبليس ذلك ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنه ظن ذلك فصدق ظنه ، كما قال تعالى :

{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنَّهُ }{[1040]} وسبب ظنه أنَّه لما أغوى آدم واستزله قال : ذرية هذا أضعف منه ، قاله الحسن .

والثاني : أنه يجوز أن يكون علم ذلك من جهة الملائكة بخبر من الله .


[1038]:في ك: هذا قول ابن عامر.
[1039]:من قوله: ويحتمل تأويلا خامسا إلى هنا سقط من ق.
[1040]:آية 20 سبأ..