النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (16)

قوله عز وجل : { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } اختلف أهل العربية في معنى قوله : { فبما أغويتني } على قولين :

أحدهما : أنه على معنى القسم وتقديره : فبإغوائك لي لأقعدن لهم صراطك المستقيم .

والثاني : أنه على معنى المجازاة ، تقديره : فلأنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم .

واختلف أهل العلم في قوله : { أَغْوَيْتَنِي } على أربعة{[1033]} أقاويل :

أحدها : معناه أضللتني ، قاله ابن عباس وابن زيد .

والثاني : معناه خيبتني من جنتك ، ومنه قول الشاعر{[1034]} :

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائماً

أي ومن يخب .

والثالث : معناه عذبتني كقوله تعالى :

{ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً }{[1035]} أي عذاباً ، قاله الحسن .

والرابع : معناه أهلكتني بلعنك لي ، يقال غوى الفصيل إذا أشفى{[1036]} على الهلاك بفقد اللبن ، قال الشاعر :

معطّفة الأثناء ليس فصيلها *** برازئها درّاً ولا ميِّت غوى{[1037]}

وقوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أي على صراطك المستقيم ، وفيه تأويلان :

أحدهما : طريق مكة ليصد عن قصدها في الحج والعمرة ، قاله ابن مسعود .

والثاني : طريق الحق ليصد عنها بالإغواء ، قاله مجاهد .


[1033]:في ق ثلاثة.
[1034]:سقط من ق والشاعر هو المرقش الأصغر واسمه ربيعة بن سفيان وهو عم طرفة ابن العبد وابن أخي المرقش الأكبر. والأصغر أشعرهما وأطولهما عمرا..
[1035]:آية 59 مريم
[1036]:في ك: أشغل والصواب ما أثبتناه.
[1037]:في ك مقطعة الأبناء وهو تحريف. وقد أنشده صاحب اللسان (غوى) وكذا ابن السكيت في إصلاح المنطق، وابن الأنباري في شرح القصائد السبع الطوال، ولم يذكروا قائله وقال في اللسان: أن غوى مصدر. ثم قال: يعنى القوس وسهما رمى به منها، وهذا من اللغز.