الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَءَاتَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (122)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وءاتيناه في الدنيا حسنة}، يقول: وأعطينا إبراهيم في الدنيا مقالة حسنة بمضيته وصبره على رضا ربه عز وجل، حين ألقي في النار، وكسر الأصنام، وأراد ذبح ابنه إسحاق، والثناء الحسن من أهل الأديان كلها يتولونه جميعا، ولا يتبرأ منه أحد منهم، {وإنه في الآخرة لمن الصالحين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وآتينا إبراهيم على قنوته لله، وشكره له على نعمه، وإخلاصه العبادة له في هذه الدنيا ذكرًا حسنا، وثناءً جميلا باقيا على الأيام.

"وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ"، يقول: وإنه في الدار الآخرة يوم القيامة لممن صلح أمره وشأنه عند الله، وحَسُنت فيها منزلته وكرامته...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وآتيناه في الدنيا حسنة}، قال بعضهم: الثناء الحسن، وقال بعضهم: الحسنة في الدنيا؛ لأن جميع الأديان يتولونه، ويرضونه. ويحتمل أن يكون قوله: {وآتيناه في الدنيا حسنة}، أي: ما آتاه الله إلا حسنة على ما ذكر في قوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} (البقرة: 201)، أي: ما تأتنا في الدنيا حسنة آتنا كلها؛ لأن قوله: {حسنة}، إنما هي اسم حسنة واحدة، أو أن يكون: {وآتيناه في الدنيا حسنة}، عند قبض روحه، أي: على الحسنة قبض روحه.

وقوله تعالى: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين}، أي: لم ينقص ما آتاه في الدنيا عما يؤتيه في الآخرة. وقال بعضهم في قوله: {وآتيناه في الدنيا حسنة}، النبوة والرسالة. أو يقال: إنه لم يبين الحسنة التي أخبر أنه آتاها إياه، لكنه (خصه بها) كما هو خص في قوله: (اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم) (البخاري: 6357)، قد كان من إبراهيم معنى، خص الله إبراهيم به من غيره، فذلك الأول، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الحسنةُ التي آتاه اللَّهُ هي دوامُ ما آتاه حتى لم تنقطِعْ عنه. ويقال: هي الخلة. ويقال: هي النبوة والرسالة. ويقال: آتيناه في الدنيا حسنةً حتى كان لنا بالكلية، ولم تكن فيه لغير بقية...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وآتيناه في الدنيا حسنة} الآية، «الحسنة»: لسان الصدق وإمامته لجميع الخلق، هذا قول جميع المفسرين وذلك أن كل أمة متشرعة فهي مقرة أن إيمانها إيمان إبراهيم، وأنه قدوتها، وأنه كان على الصواب...

{لمن الصالحين}، بمعنى: المنعم عليهم، أي: من الصالحين في أحوالهم ومراتبهم... أو بمعنى: أنه في الآخرة ممن يحكم له بحكم الصالحين في الدنيا، وهذا على أن الآية وصف حاليه في الدارين...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وتحقيق الكلام أن الله أجاب دعاءه في قوله: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}...

{وإنه في الآخرة لمن الصالحين}. فإن قيل: لم قال: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} ولم يقل: وإنه في الآخرة في أعلى مقامات الصالحين؟ قلنا: لأنه تعالى حكى عنه أنه قال: {رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين} فقال ههنا: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} تنبيها على أنه تعالى أجاب دعاءه ثم إن كونه من الصالحين لا ينفي أن يكون في أعلى مقامات الصالحين فإن الله تعالى بين ذلك في آية أخرى وهي قوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء}...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}، أي: جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة، {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}،...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم قال: {وءاتيناه}، أي: بما لنا من العظمة، {في الدنيا}، بلسان الصدق، والثناء الجميل الذي ذللنا له ألسنة الخلق، {حسنة}، ونبه بالتعبير عن المعطي بنون العظمة على جلالته، حيث جعله إماماً معظماً لجميع أهل الملل، فجمع القلوب على محبته، وجعل له فيهم لسان صدق، ورزقه في أولاده من النبوة والصلاح والملك والكثرة ما هو مشهور.

ولما كانت عظمة الدنيا لا تعتبر إلا مقرونة بنعمة الآخرة، قال تعالى: {وإنه في الآخرة}، وقال تعالى -: {لمن الصالحين}، أي: له ما لهم من الثواب العظيم -معبراً ب:"من"، تعظيماً لمقام الصلاح وترغيباً فيه.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}، رزقا واسعا، وزوجة حسناء، وذرية صالحين، وأخلاقا مرضية، {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، الذين لهم المنازل العالية والقرب العظيم من الله تعالى...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والحسنة في الدنيا: كل ما فيه راحة العيش من اطمئنان القلب بالدين، والصحة، والسلامة، وطول العمر، وسعة الرزق الكافي، وحسن الذكر بين الناس...

والصلاح: تمام الاستقامة في دين الحقّ. واختير هذا الوصف إشارة إلى أن الله أكرمه بإجابة دعوته، إذ حكى عنه أنه قال: {ربّ هب لي حكماً وألحقني بالصالحين} [سورة الشعراء: 83]...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وإنه من ثمرة هذه الخصال الكريمة، وأنه هو الذي وفي، وأتى بكل الطاعات أتاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة. فقال تعالى: {وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين}...

الحسنة هي النعمة التي تحسن فيها أمور الدنيا من حياة فاضلة هي الخير كله، وقد أعطى الله تعالى إبراهيم تلك الحياة الحسنة الطيبة فرزقه الولد، بعد حرمان طويل، ولم يهبه إلا على الكبر... وشكر النعمة، واختبر بالفداء بذبح ولده فقبل راضيا، ثم فداه رب العالمين بذبح عظيم ووفقه في بناء الكعبة وأمده بعمر طويل كله في الخير وعمل الصالحات، و "خير الناس من طال عمره وحسن عمله"، وجعله أبا الأنبياء وشعر بذلك في حياته فقد كانوا من أولاده، وقد نالوا منزلة النبوة فكان إسماعيل من ذريته النبي الهاشمي الأمي، ومن ذرية إسحاق كان أنبياء بني إسرائيل، وجعل الله له كما طلب {لسان صدق في الآخرين (84)} [الشعراء]، فكان كل أهل الديانات يتولونه، ويعتزون بالنسب إليه وأنه مع النعم التي أنعمها سبحانه وتعالى عليه كان شاكرا لأنعمه...

ولذلك حسنت حياته فقال تعالى: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} ذكر ذلك الكريم الحنان المنان على أنه خبر لا إيتاء وكأنه نتيجة لما كان منه في الدنيا ولم يذكر أنه عطاء من الله تعالى، وإن الله له المن والفضل، ولم يذكر ذلك ليبين سبحانه تعالى أنه الله تعالى يعطى الناس على قدر شكرهم: {لئن شكرتم لأزيدنكم (7)} [إبراهيم]، وأن خير الآخرة ثمرة عمل الدنيا وكله بفضل الله وعطائه {وعله فليتوكل المتوكلون (67)} [يوسف]. وقد أكد أنه في الآخرة من الصالحين بالجملة الاسمية، وإن المؤكدة ولام التوكيد، وأنه في صف الصالحين، والصالحون في الآخرة هم المقربون الذين يفوزون بنعيم الجنة وينظر إليهم ويرضى عنهم ورضوان من الله أكبر...