90- ولبئس ما باعوا به أنفسهم بغياً وعدواناً ، إذ مالوا مع أهوائهم وتعصبهم لشعبهم فكفروا بما أنزلنا ، ناقمين على غيرهم أن خصهم الله دونهم بإرسال رسول منهم منكرين على الله أن يكون له مطلق الخيرة في أن ينزل من فضله على من يشاء من عباده ، فباءوا بغضب على غضب لكفرهم وعنادهم وحسدهم ، وعذبوا بكفرهم وللكافرين عذاب عظيم .
{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ } ( 90 )
«وبيس »( {[934]} ) أصله «بئس » سهلت الهمزة ونقلت إلى الباء حركتها ، ويقال في «بئس » «بيس » اتباعاً للكسرة ، وهي مستوفية للذم كما نعم مستوفية للمدح( {[935]} ) ، واختلف النحويون في { بيسما } في هذا الموضع ، فمذهب سيبويه أن «ما » فاعلة ببيس ، ودخلت عليها بيس كما تدخل على أسماء الأجناس والنكرات لما أشبهتها «ما » في الإبهام ، فالتقدير على هذا القول : بيس الذي { اشتروا به أنفسهم أن يكفروا } ، كقولك : بيس الرجل زيد ، و «ما » في هذا القول موصولة ، وقال الأخفش : «ما » في موضع نصب على التمييز كقولك «بيس رجلاً زيد » ، فالتقدير «بيس شيئاً أن يكفروا » ، و { اشتروا به أنفسهم } في هذا القول صفة «ما »( {[936]} ) ، وقال الفراء «بيسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا » ، وفي هذا القول اعتراض لأنه فعل يبقى بلا فاعل ، و «ما » إنما تكف أبداً حروفاً( {[937]} ) ، وقال الكسائي : «ما » ، و { اشتروا } بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه ، فالتقدير بيس اشتراؤهم أنفسهم أن يكفروا( {[938]} ) ، وهذا أيضاً معترض لأن «بيس » لا تدخل على اسم معين متعرف بالإضافة إلى الضمير ، وقال الكسائي أيضاً : إن «ما » في موضع نصب على التفسير وثم «ما » أخرى مضمرة ، فالتقدير بيس شيئاً ما اشتروا به أنفسهم ، و { أن يكفروا } في هذا القول بدل من «ما » المضمرة ، ويصح في بعض الأقوال المتقدمة أن يكون { أن يكفروا } في موضع خفض بدلاً من الضمير في { به } ، وأما في القولين الأولين ف { أن } { يكفروا } ابتداء وخبره فيما قبله ، و { اشتروا } بمعنى باعوا ، يقال : شرى واشترى بمعنى باع ، وبمعنى ابتاع( {[939]} ) ، و { بما أنزل الله } يعني به القرآن ، ويحتمل أن يراد به التوراة لأنهم إذ كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام فقد كفروا بالتوراة ، ويحتمل أن يراد به الجميع من توراة وإنجيل وقرآن ، لأن الكفر بالبعض يلزم الكفر بالكل ، و { بغياً } مفعول من أجله ، وقيل نصب على المصدر( {[940]} ) ، و { أن ينزل } نصب على المفعول من أجله أو في موضع خفض بتقدير بأن ينزل( {[941]} ) .
وقرأ أبو عمرو( {[942]} ) وابن كثير «أن ينزل » بالتخفيف في النون والزاي ، و { من فضله } يعني من النبوة والرسالة . و { من يشاء } يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب . ويدخل في المعنى عيسى عليه السلام لأنهم قد كفروا به بغياً ، والله قد تفضل عليه ، و «باؤوا » معناه : مضوا متحملين لما يذكر أنهم باؤوا به ، و { يغضب } معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم ، قيل لعبادتهم العجل ، وقيل لقولهم عزير ابن الله ، وقيل لكفرهم بعيسى عليه السلام .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : فالمعنى على غضب قد باء به أسلافهم حظ هؤلاء وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها .
وقال قوم : المراد بقوله { بغضب على غضب } التأكيد وتشديد الحال عليهم لا أنه أراد غضبين معللين بقصتين( {[943]} ) ، و { مهين } مأخوذ من الهوان وهو ما اقتضى الخلود في النار لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد لا هوان فيه بل هو تطهير له . ( {[944]} )
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.