الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (90)

و{ بيْسَ } أصله «بَئِسَ » ، سُهِّلت الهمزة ، ونقلت حركتها إلى الباء ، و «مَا » عند سيبويه : فَاعِلَةٌ " ببيسَ " والتقدير : بِئْسَ الذي اشتروا به أنفسُهُمْ .

و{ اشتروا } بمعنى : بَاعُوا ، { بمَا أَنزَلَ الله }[ البقرة :90 ] ، يعني به القرآن ، ويحتمل التوراة ، ويحتمل أن يراد الجميع من توراة ، وإِنجيل ، وقرآن ، لأن الكفر بالبعض يستلزمُ الكفر بالكلِّ ، و{ مِن فَضْلِهِ } ، يعني : من النبوءة والرسالة ، { مَن يَشَاءُ } ، يعني به محمَّداً صلى الله عليه وسلم ، لأنهم حَسَدوه لما لم يكن منهم ، وكان من العرب ، ويدخلُ في المعنى عيسى صلى الله عليه وسلم لأنهم كفروا به بَغْياً ، واللَّه قد تفضَّل عليه ،

و{ فبَاءُو } معناه : مَضَوْا متحمِّلين لما يذكر أنهم بَاءُوا به .

وقال البُخَاريُّ ، قال قتادة : { بَاءُو } معناه : انقلبوا ، انتهى .

و{ بِغَضَبٍ } معناه من اللَّه تعالى لكفرهم بمحمَّد صلى الله عليه وسلم ، { على غَضَبٍ } متقدِّم من اللَّه تعالى عليهم ، قيل : لعبادتهم العِجْلَ .

وقيل : لكفرهم بعيسى عليه السلام فالمعنى : على غَضَبٍ قد باءَ به أسلافهم ، حظُّ هؤلاءِ منْهُ وافرٌ ، بسبب رضاهم بتلك الأفعال ، وتصويبِهِمْ لها .

و{ مُّهِينٌ } مأخوذ من «الهَوَانِ » ، وهو الخلود في النَّار ، لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين ، إنما عذابه كعذابِ الذي يقام عليه الحدُّ ، لا هوان فيه ، بل هو تطهيرٌ له .