جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (90)

{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ } ، ما نكرة مميزة لفاعل بئس المستتر فيه والفعل صفته ، أي : بئس ما باعوا فإنهم باعوا ثوابها بالكفر ، { أَن يَكْفُرُواْ } ، هو المخصوص بالذم ، { بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً } ، أي : أن يفكروا حسداً ، { أَن } ، أي : لأن ، { يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } : النبوة والكتاب ، { عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } ، فإن كفرهم للحسد على أن النبوة في غيرهم ، { فَبَآؤُواْ } : رجعوا {[143]} ، { بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ {[144]} } ، لكفرهم بمحمد عليه الصلاة والسلام ، أو القرآن بعد كفرهم بعيسى وتضييعهم التوراة والإنجيل ، أو عبادتهم العجل وقوله بغضب ظرف لغو وعلى غضب صفة له ، { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، فإن عذابهم للإهانة وعذاب العاصي للطهير .


[143]:وصاروا أحقاء/12 منه
[144]:وقد قدمنا بيان الغضب في صفحة سابقة أنه صفة وصف الله تعالى نفسه بها وليس غضبه كغضبنا كما أن ذاته ليست مثل ذواتنا فليس هو مماثلا لأبداننا ولا لأرواحنا وصفاته كذاته وما قيل إن الغضب من الانفعالات النفسانية فيقال: نحن وذواتنا منفعلة فكونها انفعالات فينا لا يجب أن يكون الله منفعلاً بها بها كما أن نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين فصفاته كذلك ليست كصفات المخلوقين ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه وليس المنسوب كالمنسوب والمنسوب إليه كالمنسوب إليه كما قال صلى الله عليه وسلم: "ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر" فشبه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي وهذا يتبين بقاعدة وهي أن كثيرا من الناس يتوهم في بعض الصفات وكثير منها كلها أو أكثرها أنها تماثل صفات المخلوقين ثم يريد نفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواع من المحاذير أحدها كونه مثل ما فهمه من النصوص لصفات المخلوقين وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل. الثاني أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله فبقيت النصوص وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله حيث خالف الذي يفهم من كلامهما من إثبات صفات الله والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى، الثالث أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير دليل فيكون معطلا عما يستحقه الرب تبارك وتعالى، الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات وصفات المدومات فيكون قد عطل صفات الكمال التي يستحقها الرب، ومثل بالمنقوصات والمعدومات وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً هكذا قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام في القاعدة التدمرية/12.