إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (90)

{ بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنفُسَهُمْ } ما نكرةٌ بمعنى شيء ، منصوبةٌ مفسِّرةٌ لفاعلِ بئس ، واشتَروا صفتُه أو بئس شيئاً باعُوا به أنفسَهم ، وقيل : اشترَوْها به في زعمهم حيث يعتقدون أنهم بما فعلوا خلّصوها من العقاب ويأباه أنه لا بد أن يكون المذمومُ ما كان حاصلاً لهم لا ما كان زائلاً عنهم ، والمخصوصُ بالذم قولُه تعالى : { أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنزَلَ الله } أي الكتابِ المصدّقِ لما معهم بعد الوقوف على حقيقته ، وتبديلُ الإنزال بالمجيء للإيذان بعلوِّ شأنه الموجبِ للإيمان به { بَغياً } حسداً وطلباً لما ليس لهم ، وهو علةٌ لأن يكفُروا حتماً دون { اشتروا } لما قيل من الفصل بما هو أجنبيٌّ بالنسبة إليه وإن لم يكن أجنبياً بالنسبة إلى فعل الذمِّ وفاعلِه ، ولأن البغيَ مما لا تعلقَ له بعُنوان البيعِ قطعاً لاسيما وهو معلَّلٌ بما سيأتي من تنزيل الله تعالى من فضله على من يشاؤه وإنما الذي بينه وبينه علاقةٌ هو كفرُهم بما أنزل الله ، والمعنى بئس شيئاً باعُوا به أنفسَهم كفرُهم المعلَّلُ بالبغي الكائنِ لأجل { أَن يُنَزّلُ الله مِن فَضْلِهِ } الذي هو الحي { على مَن يَشَاء } أي يشاؤه ويصطفيه { مِنْ عِبَادِهِ } المستأهِلين لتحمُّل أعباءِ الرسالةِ ، ومآلُه تعليلُ كفرِهم بالمنزل عليه ، وإيثارُ صيغةِ التفعيل ههنا للإيذان بتجدد بغْيهم حسَب تجدُّدِ الإنزالِ وتكثُّره حسب تكثره { فَبَاؤا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ } أي رجعوا متلبسين بغضبٍ كائن على غضب مستحقين له حسب ما اقترفوا مِنْ كفر على كفر فإنهم كفروا بنبيّ الحقِّ وبغَوْا عليه وقيل كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام بعد عيسى ، وقيل : بعد قولِهم : عزيرٌ بن الله وقولهم : يد الله مغلولة وغير ذلك من فنون كفرهم

{ وللكافرين } أي لهم والإظهار في موقع الإضمارِ للإشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم { عَذَابٌ مُهِينٌ } يراد به إهانتُهم وإذلالُهم لما أن كفرَهم بما أنزل الله تعالى كان مبيناً على الحسد المبنيّ على طمع المنزولِ عليهم وادعاءِ الفضلِ على الناس والاستهانةِ بمن أنزل عليه عليه السلام .