بئس : فعل جعل للذمّ ، وصله فعل ، وله ولنعم باب معقود في النحو .
البغي : الظلم ، وأصله الفساد ، من قولهم : بغى الجرح : فسد ، قاله الأصمعي ، وقيل : أصله شدّة الطلب ، ومنه ما نبغي ، وقول الراجز :
أنشد والباغي يحب الوجدان *** فلائصاً مختلفات الألوان
ومنه سميت الزانية بغياً ، لشدّة طلبها للزنا ، الإهانة : الإذلال ، وهان هواناً : لم يحفل به ، وهو معنى الذل ، وهو كون الإنسان لا يؤبه به ، ولا يلتفت إليه .
{ بئسما اشتروا به أنفسهم } : تقدّم الكلام على بئس ، وأما ما فاختلف فيها ، ألها موضع من الإعراب أم لا .
فذهب الفرّاء إلى أنه بجملته شيء واحد ركب ، كحبذا ، هذا نقل ابن عطية عنه .
وقال المهدوي : قال الفرّاء يجوز أن تكون ما مع بئس بمنزلة كلما ، فظاهر هذين النقلين أن ما لا موضع لها من الإعراب ، وذهب الجمهور إلى أن لها موضعاً من الإعراب .
واختلف ، أموضعها نصب أم رفع ؟ فذهب الأخفش إلى أن موضعها نصب على التمييز ، والجملة بعدها في موضع نصب على الصفة ، وفاعل بئس مضمر مفسر بما ، التقدير : بئس هو شيئاً اشتروا به أنفسهم ، وأن يكفروا هو المخصوص بالذم ، وبه قال الفارسي في أحد قوليه ، واختاره الزمخشري .
ويحتمل على هذا الوجه أن يكون المخصوص بالذم محذوفاً ، واشتروا صفة له ، والتقدير : بئس شيئاً شيء اشتروا به أنفسهم ، وأن يكفروا بدل من ذلك المحذوف ، فهو في موضع رفع ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو أن يكفروا .
وذهب الكسائي في أحد قوليه إلى ما ذهب إليه هؤلاء ، من أن ما موضعها نصب على التمييز ، وثم ما أخرى محذوفة موصولة هي المخصوص بالذم ، التقدير : بئس شيئاً الذي اشتروا به أنفسهم .
فالجملة بعدما المحذوفة صلة لها ، فلا موضع لها من الإعراب .
وأن يكفروا على هذا القول بدل ، ويجوز على هذا القول أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هو كفرهم .
فتلخص في قول النصب في الجملة بعدما أقوال ثلاثة : أن يكون صفة لما هذه التي هي تمييز فموضعها نصب ، أو صلة لما المحذوفة الموصولة فلا موضع لها ، أو صفة لشيء المحذوف المخصوص بالذم فموضعها الرفع ، وذهب سيبويه إلى أن موضعها رفع على أنها فاعل بئس ، فقال سيبويه : هي معرفة تامة ، التقدير : بئس الشيء ، والمخصوص بالذم على هذا محذوف ، أي شيء اشتروا به أنفسهم .
وعزى هذا القول ، أعني أن ما معرفة تامة لا موصولة ، إلى الكسائي .
وقال الفراء والكسائي ، فيما نقل عنهما : أن ما موصولة بمعنى الذي ، واشتروا : صلة ، وبذلك قال الفارسي ، في أحد قوليه ، وعزى ابن عطية هذا القول إلى سيبويه قال : فالتقدير على هذا القول : بئس الذي اشتروا به أنفسهم أن يكفروا ، كقولك : بئس الرجل زيد ، وما في هذا القول موصولة .
انتهى كلامه ، وهو وهم على سيبويه .
وذهب الكسائي فيما نقل عنه المهدوي وابن عطية إلى أن ما وبعدها في موضع رفع ، على أن تكون مصدرية ، التقدير : بئس اشتراؤهم .
قال ابن عطية : وهذا معترض ، لأن بئس لا تدخل على اسم معين يتعرف بالإضافة إلى الضمير .
وما قاله لا يلزم إلا إذا نص على أنه مرفوع ببئس ، أما إذا جعله المخصوص بالذم ، وجعل فاعل بئس مضمراً والتمييز محذوفاً ، لفهم المعنى .
التقدير : بئس اشتراء اشتراؤهم ، فلا يلزم الاعتراض ، لكن يبطل هذا القول الثاني عود الضمير في به على ما ، وما المصدرية لا يعود عليها ضمير ، لأنها حرف على مذهب الجمهور ، إذ الأخفش يزعم أنها اسم .
والكلام على هذه المذاهب تصحيحاً وإبطالاً يذكر في علم النحو .
اشتروا هنا : بمعنى باعوا ، وتقدم أنه قال : شرى واشترى : بمعنى باع ، هذا قول الأكثرين .
وفي المنتخب إن الاشتراء هنا على بابه ، لأن المكلف ، إذا خاف على نفسه من العقاب ، أتى بأعمال يظن أنها تخلصه ، وكأنه قد اشترى نفسه بها .
فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنه يخلصهم ، ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم ، فذمهم الله عليه .
قال : وهذا الوجه أقرب إلى المعنى واللفظ من الأول ، يعني بالأول أن يكون بمعنى باع ، وهذا الذي اختاره صاحب المنتخب ، يرد عليه قوله تعالى : { بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده } ، فدل على أن المراد ليس اشتراؤهم أنفسهم بالكفر ، ظناً منهم أنهم يخلصون من العقاب ، بل ذلك كان على سبيل البغي والحسد ، لكونه تعالى جعل ذلك في محمد صلى الله عليه وسلم ، فاتضح أن قول الجمهور أولى .
{ أن يكفروا } : تقدم أن موضعه رفع ، إما ، على أن يكون مخصوصاً بالذم عند من جعل ما قبله من قوله : { بئسما اشتروا } غير تام ، وفيه الأعاريب التي في المخصوص بالذم ، إذا تأخر ، أهو مبتدأ ، والجملة التي قبله خبر مبتدأ محذوف على ما تقرر قبل ؟ وأجاز الفراء على هذا التقدير أن يكون بدلاً من الضمير في به ، فيكون في موضع خبر .
{ بما أنزل الله } : هو الكتاب الذي تقدّم ذكره ، وهو القرآن .
وفي ذلك من التفخيم إن لم يحصل مضمر ، بل أظهر موصولاً بالفعل الذي هو أنزل المشعر بأنه من العالم العلوي ، ونسب إسناده إلى الله ، ليحصل التوافق من حيث المعنى بين قوله : { كتاب من عند الله } وبين قوله : { بما أنزل الله } .
ويحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل ، إذ كفروا بعيسى وبمحمد صلوات الله وسلامه عليهما ، والكفر بهما كفر بالتوراة .
ويحتمل أن يراد الجميع من قرآن وإنجيل وتوراة ، لأن الكفر ببعضها كفر بكلها .
{ بغياً } : أي حسداً ، إذ لم يكن من بني إسرائيل ، قاله قتادة وأبو العالية والسدّي .
وقيل : معناه ظلماً ، وانتصابه على أنه مفعول من أجله وظاهره أن العامل فيه يكفروا ، أي كفرهم لأجل البغي .
وقال الزمخشري : هو علة اشتروا ، فعلى قوله يكون العامل فيه اشتروا .
وقيل : هو نصب على المصدر لا مفعول من أجله ، والتقدير : بغوا بغياً ، وحذف الفعل لدلالة الكلام عليه .
{ أن ينزّل الله } : أن : مع الفعل بتأويل المصدر ، وذلك المصدر المقدر منصوب على أنه مفعول من أجله ، أي بغوا لتنزيل الله .
وقيل : التقدير بغياً على أن ينزّل الله لأن معناه حسداً على أن ينزّل الله ، أي على ما خص الله به نبيه من الوحي ، فحذفت على ، ويجيء الخلاف الذي في أنّ وأن ، إذا حذف حرف الجر منهما ، أهما في موضع نصب أم في موضع خفض ؟ وقيل : أن ينزّل في موضع جر على أنه بدل اشتمال من ما في قوله : بما أنزل الله ، أي بتنزيل الله ، فيكون مثل قول الشاعر :
وقرأ أبو عمرو وابن كثير : جميع المضارع مخففاً من أنزل ، إلا ما وقع الإجماع على تشديده ، وهو في الحجر ، { وما تنزله } ، إلا أن أبا عمرو شدد على أن ننزل آية في الأنعام ، وابن كثير شدد { وننزل من القرآن ما هو شفاء } ، و { حتى تنزل علينا كتاباً } ، وشدد الباقون المضارع حيث وقع إلا حمزة والكسائي فخففا ، { وينزِّل الغيث } ، في آخر لقمان ، { وهو الذي ينزل الغيث } في الشورى .
والهمزة والتشديد كل منهما للتعدية .
وقد ذكروا مناسبات لقراءات القراء واختياراتهم ولا تصح .
{ من فضله } : من لابتداء الغاية ، والفضل هنا الوحي والنبوة .
وقد جوّز بعضهم أن تكون من زائدة على مذهب الأخفش ، فيكون في موضع المفعول ، أي أن ينزل الله فضله .
على متعلقة بينزل ، والمراد بمن يشاء : محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم ، وكان من العرب ، وعز النبوة من يعقوب إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام كان في إسحاق ، فختم في عيسى ، ولم يكن من ولد إسماعيل نبي غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فختمت النبوة على غيرهم ، وعدموا العز والفضل .
و { من } هنا موصولة ، وقيل نكرة موصوفة .
و { يشاء } على القول الأول : صلة ، فلا موضع لها من الإعراب ، وصفة على القول الثاني ، فهي في موضع خفض ، والضمير العائد على الموصول أو الموصوف محذوف تقديره يشاؤه .
{ من عباده } : جار ومجرور في موضع الحال ، تقديره كائناً من عباده ، وأضاف العباد إليه تشريفاً لهم ، كقوله تعالى : { ولا يرضى لعباده الكفر } { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا }
{ فباؤا } : أي مضوا ، وتقدم معنى باؤوا .
{ بغضب على غضب } : أي مترادف متكاثر ، ويدل ذلك على تشديد الحال عليهم .
وقيل : المراد بذلك : غضبان معللان بقصتين : الغضب الأول : لعبادة العجل ، والثاني : لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس .
أو الأول : كفرهم بالإنجيل ، والثاني : كفرهم بالقرآن ، قاله قتادة .
أو الأول : كفرهم بعيسى ، والثاني : كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن وغيره ، أو الأول : قولهم عزير ابن الله ، وقولهم يد الله مغلولة ، وغير ذلك من أنواع كفرهم ، والثاني : كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم .
{ وللكافرين عذاب مهين } : الألف واللام في الكافرين للعهد ، وأقام المظهر مقام المضمر إشعاراً بعلة كون العذاب المهين لهم ، إذ لو أتى ، ولهم عذاب مهين ، لم يكن في ذلك تنبيه على العلة ، أو تكون الألف واللام للعموم ، فيندرجون في الكافرين .
ووصف العذاب بالإهانة ، وهي الإذلال ، قال تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } وجاء في الصحيح ، في حديث عبادة ، وقد ذكر أشياء محرّمة فقال : « فمن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له » فهذا العذاب إنما هو لتكفير السيئات ، أو لأنه يقتضي الخلود خلوداً لا ينقطع ، أو لشدته وعظمته واختلاف أنواعه ، أو لأنه جزاء على تكبرهم عن اتباع الحق .
وقد احتج الخوارج بهذه الآية على أن الفاسق كافر ، لأنه ثبت تعذيبه ، واحتج بها المرجئة على أن الفاسق لا يعذب لأنه ليس بكافر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.