غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (90)

87

" بئس " لإنشاء الذم ، وفاعله قد يكون مظهراً نحو " بئس الرجل زيد " ، وقد يكون مضمراً يعود إلى معهود ذهني فيفسر حينئذ بنكرة منصوبة وبعدهما المخصوص بالذم ف " ما " نكرة منصوبة مفسرة : لفاعل " بئس " أي بئس شيئاً اشتروا به أنفسهم ، والمخصوص بالذم { أن يكفروا } واختلف في إعراب المخصوص فقيل : مبتدأ والجملة قبله خبره . وقيل خبر مبتدأ محذوف أي هو أن يكفروا . واشتروا بمعنى باعوا لأن الكفر حاصل تعلق نفوسهم بأبدانهم كما أ ، الثمن حاصل ملك المالك . وقيل : إن المكلف إذا كان يخاف على نفسه من عقاب الله تعالى فأتى بأعمال يظن بها أنها تخلصه من العقاب فكأنه قد اشترى نفسه بتلك الأعمال ، وهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنه يخلصهم من العقاب ويوصلهم إلى الثواب ، فقد ظنوا أنهم قد اشتروا أنفسهم بها ، والمراد بما أنزل الله القرآن لأنهم كانوا مؤمنين بغيره . ثم بين الوجه الذي لأجله اختاروا هذا الكفر فقال { بغياً } أي حسداً وطلباً لما ليس لهم ، ولولا هذا البيان لجاز أن يكون الباعث لهم على ذلك الكفر هو الجهل لا البغي ولما كان الباعث على البغي قد يكون وجوهاً شتى بين أن الحامل لهم على البغي هو { أن ينزل الله من فضله } الذي هو الوحي { على من يشاء } وتقتضي حكمته إرساله وهذا هو اللائق بما حكينا من أنهم ظنوا أن هذا الفضل العظيم يحصل في قومهم ، فلما وجدوه في العرب حملهم ذلك على البغي والحسد ، وعلى هذا يكون الجار المحذوف هو لام الغرض أي لأجل أن ينزل ، ويحتمل أني قال المحذوف على أي حسدوه على أن ينزل .

{ فباءوا بغضب على غضب } لابد من إثبات سببي غضبين : أحدهما تكذيبهم عيسى وما أنزل عليه ، والثاني تكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه ، فصار ذلك سبباً بعد سبب لسخط بعد سخط وهو قول الحسن والشعبي وعكرمة وأبي العالية وقتادة . وقيل : الأول لعبادتهم العجل ، والثاني لكتمانهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم وجحدهم نبوته عن السدي . وقيل : ليس المراد إثبات الغضبين فقط ، بل المراد إثبات أنواع من الغضب مترادفة لأجل أمور متوالية صدرت عنهم كقولهم

{ عُزير ابن الله } [ التوبة : 30 ] { يد الله مغلولة } [ المائدة : 64 ] { إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] عن عطاء وعبيد بن عمير . وقيل : المراد تأكيد الغضب وتكثير له لأجل أن هذا الكفر وإن كان واحداً إلا أنه عظيم ، وهو قول أبي مسلم . ومعنى الغضب في حقه تعالى قد عرفت مراراً أنه عبارة عن لازمه وهو إرادة الانتقام ، وأما تزايده وتكثره فيصح فيه ذلك كصحته في العذاب ، فلا يكون غضبه على من كفر بخصال كثيرة كمن كفر بخصلة واحدة { وللكافرين عذاب مهين } من وضع الظاهر مقام المضمر أي ولهم عذاب ، وفائدته ما ذكرنا في قوله { فلعنة الله على الكافرين } ووصف العذاب بالمهين والمهين هو المعذب لأن الإهانة لما حصلت مع العذاب جاز أن يجعل ذلك من وصفه لأنها بسبب منه ، ولا يلزم من اقتران العذاب بالإهانة تكرار فقد يكون العذاب ولا إهانة كالوالد يؤدب ولده .

/خ91