المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

19- قال المرسلون : شؤمكم معكم بكفركم ، أئن وُعظْتم بما فيه سعادتكم تتشاءموا منا وتهددونا بالعذاب الأليم ؟ ! لكن أنتم قوم متجاوزون الحق والعدل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ} (19)

وقولهم عليهم السلام ، { طائركم معكم } ، معناه حظكم وما صار إليه من خير وشر معكم ، أي من أفعالكم ومن تكسباتكم ليس هو من أجلنا ولا بسببنا بل ببغيكم وكفركم ، وبهذا فسر الناس ، وسمي الحظ والنصيب طائراً استعارة أي هو مما تحصل عن النظر في الطائر ، وكثر استعمال هذا المعنى حتى قالت المرأة الأنصارية : فطار لنا ، حين اقتسم المهاجرون ، عثمان بن مظعون{[9780]} ، ويقول الفقهاء : طار لفلان في المحاصة كذا وكذا ، وقرأ ابن هرمز والحسن وعمرو بن عبيد «طيركم معكم » ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر «أإن ذكرتم » بهمزتين الثانية مكسورة على معنى أإن ذكرتم تتطيرون ، وقرأ نافع وأبوعمرو وابن كثير بتسهيل هذه الهمزة الثانية وردها ياء «أين ذكرتم » ، وقرأ الماجشون{[9781]} «أن ذكرتم » بفتح الألف{[9782]} ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «إن ذكرتم » بكسر الألف ، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وزر بن حبيش «أأن ذكرتم » بهمزتين مفتوحتين وشاهده قول الشاعر : [ الطويل ]

أأن كنت داود أحوى مرجلاً . . . فلست براع لابن عمك محرما{[9783]}

وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعمش «أينْ ذكَرتم » بسكون الياء وتخفيف الكاف .

قال القاضي أبو محمد : فهي «أين » المقولة في الظرف ، وهذه قراءة أبي جعفر وخالد وطلحة وقتادة والحسن في تخفيف الكاف فقط{[9784]} ، ثم وصفهم بالإسراف والتعدي .


[9780]:حديث المرأة الأنصارية أخرجه البخاري في الجنائز والتعبير، وأحمد في مسنده (6-436)، ولفظه كما في البخاري، عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم، أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجِع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسّل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمت الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري-وأنا رسول الله- ما يفعل بي، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا.
[9781]:هو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة المدني، قال عنه في (تقريب التهذيب): ثقة، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين، وقيل قبل ذلك.
[9782]:وعلى هذا تكون{أن ذكرتم} منصوبة الموضع بقوله تعالى:{طائركم معكم}، وذلك أنهم لما قالوا:{إنا تطيرنا بكم} أي: تشاءمنا، قالوا لهم جوابا عن ذلك: بل{ طائركم معكم}، أي: بل شؤمكم معكم{أن ذكرتم}، أي: هو معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا، فاكتفي بالسبب وهو التذكير عن المسبب الذي هو الانتهاء.
[9783]:البرد: كساء مخطط يلتحف به، وجمعه أبراد وأبرد وبرود، والأحوى: ما خالط حمرته سواد أو خضرته سواد، وفي التنزيل العزيز:{ فجعله غثاء أحوى}، ورجّل الشعر: سواه وزينه وسرحه، والشاهد أن الهمزتين مفتوحتين في قوله:(أأنت كنت).
[9784]:ومعنى{أين ذكرتم}: أين حللتم وكنتم ووجدتم فذكرتم، فاكتفي بالمسبب الذي هو الذكر من السبب الذي هو الوجود، و[أين] هنا شرط، وجوابها محذوف لدلالة قوله:{طائركم معكم} عليه، فكأنه قال: أين ذكرتم أو أين وجدتم وجد شؤمكم معكم، وهذا كقولك: سيفك معك أين حللت.