31- وكونوا مخلصين لله حريصين على اتِّباع الحق غير متخذين أي شريك لله في العبادة ، فإن من يُشْرِك بالله فقد سقط من حصن الإيمان ، وتنازعته الضلالات ، وعرَّضَ نفسه لأبشع صورة من صور الهلاك ، وكان حاله حينئذ كحال الذي سقط من السماء فتمزق قِطَعاً تخاطفتها الطيور فلم يَبْقَ له أثر ، أو عصفت به الريح العاتية فشتَّتت أجزاءه ، وَهَوتْ بكل جزء منه في مكان بعيد .
قوله تعالى : { حنفاء لله } مخلصين له ، { غير مشركين به } قال قتادة : كانوا في الشرك يحجون ، ويحرمون البنات والأمهات والأخوات ، وكانوا يسمون حنفاء ، فنزلت : { حنفاء لله } غير مشركين به أي : حجاجاً لله مسلمين موحدين ، يعني : من أشرك لا يكون حنيفاً . { ومن يشرك بالله فكأنما خر } أي : سقط ، { من السماء } إلى الأرض ، { فتخطفه الطير } أي : تستلبه الطير وتذهب به ، والخطف والاختطاف : تناول الشيء بسرعة . وقرأ أهل المدينة : فتخطفه بفتح الخاء وتشديد الطاء ، أي : يتخطفه ، { أو تهوي به الريح } أي : تميل وتذهب به ، { في مكان سحيق } أي : بعيد ، معناه : إن بعد من أشرك من الحق كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير ، أو هوت به الريح ، فلا يصل بحال . وقيل : شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تسقطه الريح ، فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق ، وقال الحسن : شبه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها .
و { حنفاء } ، معناه مستقيمين أو مائلين إلى الحق بحسب أن لفظة الحنف من الأضداد تقع على الاستقامة وتقع على الميل ، و { حنفاء } نصب على الحال ، وقال قوم { حنفاء } معناه حجاجاً ع وهذا تخصيص لا حجة معه ، و { غير مشركين } ، ويجوز أن يكون حالاً أخرى ، ويجوز أن يكون صفة لقول { حنفاء } ثم ضرب تعالى مثلاً للمشرك بالله أظهره في غاية السقوط ويحتمل الهول والانبتات من النجاة ، بخلاف ما ضرب للمؤمن في قوله { فمن كفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى }{[8373]} [ البقرة : 256 ] ومنه قول علي رضي الله عنه : إذا حدثتكم عن رسول الله فلأن أخر من السماء إلى الأرض أهون علي من أن أكذب عليه ، الحديث . وقرأ نافع وحده «فتخطّفه الطير » بفتح الخاء وشد الطاء على حذف تاء التفعل وقرأ الباقون «فتخْطفه » بسكون الخاء وتخفيف الطاء ، وقرأ الحسن فيما روي عنه «فَتِخِطَّفه » بكسر التاء والخاء وفتح الطاء مشددة ، وقرأ أيضاً الحسن وأبو رجاء بفتح التاء وكسر الخاء والطاء وشدها ، وقرأ الأعمش «من السماء تخطفه » بغير فاء وعلى نحو قراءة الجماعة وعطف المستقبل على الماضي لأنه بتقدير فهو تخطفه الطير ، وقرأ أبو جعفر ، «الرياح » و «السحيق » البعيد ومنه قولهم أسحقه الله ومنه قوله عليه السلام «فسحقاً فسحقاً »{[8374]} ومنه نخلة سحوق للبعيدة في السماء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.