30- ومَنْ يلتزم أوامر الله ونواهيه في حجه تعظيماً لها في نفسه كان ذلك خيراً له في دنياه وآخرته ، وقد أحل الله لكم أكل لحوم الإبل والبقر والغنم إلا في حالات تعرفونها مما يُتْلى عليكم في القرآن كالميتة وغيرها ، فاجتنبوا عبادة الأوثان لأن عبادتها قذارة عقلية ونفسية لا تليق بالإنسان ، واجتنبوا قول الزور على الله وعلى الناس .
قوله تعالى : { ذلك } أي : الأمر ذلك ، يعني ما ذكر من أعمال الحج { ومن يعظم حرمات الله } أي معاصي الله وما نهى عنه ، وتعظيما ترك ملابسها . قال الليث : حرمات الله ما لا يحل انتهاكها . وقال الزجاج : الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه ، وذهب قوم إلى أن معنى الحرمات هاهنا : المناسك ، بدلالة ما يتصل بها من الآيات . وقال ابن زيد : الحرمات هاهنا : البيت الحرام ، والبلد الحرام والشهر الحرام ، والمسجد الحرام ، والإحرام . { فهو خير له عند ربه } أي : تعظيم الحرمات ، خير له عند الله في الآخرة . { وأحلت لكم الأنعام } أن تأكلوها إذا ذبحتموها وهى الإبل والبقر والغنم ، { إلا ما يتلى عليكم } تحريمه ، وهو قوله في سورة المائدة : { حرمت عليكم الميتة والدم } الآية ، { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } أي : عبادتها يقول : كونوا على جانب منها فإنها رجس ، أي : سبب الرجس ، وهو العذاب ، والرجس : بمعنى الرجز . وقال الزجاج : ( من ) هاهنا للتجنيس أي : اجتنبوا الأوثان التي هي رجس ، { واجتنبوا قول الزور } يعني : الكذب والبهتان . وقال ابن مسعود : شهادة الزور ، وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال : يا أيها الناس عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ، ثم قرأ هذه الآية " . وقيل : هو قول المشركين في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك .
وقوله تعالى : { ذلك } يحتمل أن يكون في موضع رفع بتقدير فرضكم ذلك أو الواجب ذلك ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار ، وأحسن الأشياء مضمراً أحسنها ومظهراً ونحو هذه الإشارة البليغة قول زهير : [ البسيط ]
هذا وليس كمن يعطي بخطته . . . وسط الندى إذا ما قائل نطقا{[8370]}
والحرمات المقصودة ها هنا في أفعال الحج المشار إليها في قوله { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم } ويدخل في ذلك تعظيم المواضع ، قاله ابن زيد وغيره ، ووعد على تعظيمها بعد ذلك تحريضاً ، وتحريصاً ، ثم لفظ الآية بعد ذلك يتناول كل حرمة لله تعالى في جميع الشرع .
وقوله تعالى : { فهو خير } ، ظاهره أنها ليست للتفضيل وإنما هي عدة بخير ، ويحتمل أن يجعل { خير } للتفضيل على تجوز في هذا الموضع ، وقوله تعالى : { أحلت } إشارة إلى ما كانت العرب تفعله من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة فأذهب الله تعالى ذلك وأحل لهم جميع { الأنعام إلا ما يتلى } عليهم في كتاب الله تعالى . في غير موضع ثم أمرهم باجتناب { الرجس من الأوثان } والكلام يحتمل معنيين أحدهما أن تكون { من } لبيان الجنس فيقع نهيه عن رجس الأوثان فيقع نهيها في غير هذا الموضع ، والمعنى الثاني أن تكون { من } لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاماً ثم عين لهم مبدأ الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان فيكون هذا مما يتلى عليهم ، ومن قال { من } للتبعيض قلب معنى الآية ويفسده ، والمروي عن ابن عباس وابن جريج أن الآية نهي عن عبادة الأوثان ، و { الزور } ، عام في الكذب والكفر وذلك أن كل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور ، وقال ابن مسعود ، وأيمن بن خريم{[8371]} وابن جريج : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «عدلت شهادة الزور بالشرك » ، وتلا هذه الآية{[8372]} ، و { الزور } مشتق من الزور وهو الميل ومنه في جانب فلان زور ويظهر أن الإشارة في زور أقوالهم في تحريم وتحليل مما كانوا قد شرعوه في الأنعام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.